الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

يقول تعالى لعباده المؤمنين الذين أمرهم بمصارمة الكافرين، وعداوتهم ومجانبتهم والتبري منهم { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىۤ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } أي وأتباعه الذين آمنوا معه { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ } أي تبرأنا منكم، { وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ } أي بدينكم وطريقكم { وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً } يعني وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم، مادمتم على كفركم، فنحن أبداً نتبرأ منكم ونبغضكم { حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } أي إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعوا ما تعبدون معه من الأوثان والأنداد. وقوله تعالى { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَٰهِيمَ لأَبِيهِ لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } أي لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة، تتأسون بها، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدو لله، تبرأ منه، وذلك أن بعض المؤمنين كانوا يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك، ويستغفرون لهم، ويقولون إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه، فأنزل الله عز وجلمَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِى قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَٰهِيمَ لاَِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } التوبة 113 ــــ 114. وقال تعالى في هذه الآية { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِىۤ إِبْرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤاْ مِّنْكُمْ } ــــ إلى قوله ــــ { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ } أي ليس لكم في ذلك أسوة، أي في الاستغفار للمشركين. هكذا قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حيان والضحاك وغير واحد. ثم قال تعالى مخبراً عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبرؤوا منهم، فلجؤوا إلى الله، وتضرعوا إليه فقالوا { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } أي توكلنا عليك في جميع الأمور، وسَلَّمنا أمورنا إليك، وفوضناها إليك، { وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } ، أي المعاد في الدار الآخرة { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال مجاهد معناه لا تعذبنا بأيديهم، ولا بعذاب من عندك، فيقولوا لو كان هؤلاء على حق، ما أصابهم هذا، وكذا قال الضحاك. وقال قتادة لا تظهرهم علينا، فيفتتنونا بذلك يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه، واختاره ابن جرير. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تسلطهم علينا فيفتنونا. وقوله تعالى { وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } أي واستر ذنوبنا عن غيرك، واعف عنها فيما بيننا وبينك، { إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ } أي الذي لا يضام من لاذ بجنابك { ٱلْحَكِيمُ } في أقوالك وأفعالك، وشرعك وقدرك.

السابقالتالي
2