الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُواْ مِنَ ٱلآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْقُبُورِ }

ينهى تبارك وتعالى عن موالاة الكافرين في آخر " هذه السورة " ، كما نهى عنها في أولها، فقال تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } يعني اليهود والنصارى، وسائر الكفار ممن غضب الله عليه، ولعنه، واستحق من الله الطرد والإبعاد، فكيف توالونهم وتتخذونهم أصدقاء وأخلاء، وقد يئسوا من الآخرة، أي من ثواب الآخرة ونعيمها في حكم الله عز وجل. وقوله تعالى { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّـٰرُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ } فيه قولان أحدهما كما يئس الكفار الأحياء من قراباتهم الذين في القبور أن يجتمعوا بهم بعد ذلك لأنهم لايعتقدون بعثاً ولانشوراً، فقد انقطع رجاؤهم منهم فيما يعتقدونه. قال العوفي عن ابن عباس { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } إلى آخر السورة، يعني من مات من الذين كفروا، فقد يئس الأحياء من الذين كفروا أن يرجعوا إليهم، أو يبعثهم الله عز وجل. وقال الحسن البصري { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّـٰرُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ } قال الكفار الأحياء قد يئسوا من الأموات. وقال قتادة كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا. وكذا قال الضحاك، رواهن ابن جرير. والقول الثاني معناه كما يئس الكفار الذين هم في القبور من كل خير. قال الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود { كَمَا يَئِسَ ٱلْكُفَّـٰرُ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلْقُبُورِ } قال كما يئس هذا الكافر إذا مات وعاين ثوابه واطلع عليه. وهذا قول مجاهد، وعكرمة، ومقاتل، وابن زيد، والكلبي، ومنصور، وهو اختيار ابن جرير.