الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

يقول تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } يعني آدم عليه السلام كما قاليَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً } النساء 1 وقوله { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } اختلفوا في معنى ذلك، فعن ابن مسعود، وابن عباس، وأبي عبد الرحمن السلمي، وقيس بن أبي حازم، ومجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والضحاك، وقتادة، والسدي، وعطاء الخراساني، وغيرهم { فَمُسْتَقَرٌّ } أي في الأرحام، قالوا، أو أكثرهم { وَمُسْتَوْدَعٌ } أي في الأصلاب، وعن ابن مسعود وطائفة عكسه، وعن ابن مسعود أيضاً وطائفة فمستقر في الدنيا، ومستودع حيث يموت، وقال سعيد بن جبير فمستقر في الأرحام، وعلى ظهر الأرض، وحيث يموت، وقال الحسن البصري المستقر الذي قد مات، فاستقر به عمله، وعن ابن مسعود ومستودع في الدار الآخرة، والقول الأول أظهر، والله أعلم. وقوله تعالى { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } أي يفهمون ويعون كلام الله ومعناه، وقوله تعالى { وَهُوَ ٱلَّذِىۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } أي بقدر، مباركاً ورزقاً للعباد، وإحياء وغياثاً للخلائق رحمة من الله بخلقه { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ } كقولهوَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ } الأنبياء 30 { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } أي زرعاً وشجراً أخضر، ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر، ولهذا قال تعالى { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } أي يركب بعضه بعضاً كالسنابل ونحوها، { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَٰنٌ } أي جمع قنو، وهي عذوق الرطب { دَانِيَةٌ } أي قريبة من المتناول كما قال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس { قِنْوَٰنٌ دَانِيَةٌ } يعني بالقنوان الدانية قصار النخل اللاصقة عذوقها بالأرض، رواه ابن جرير. قال ابن جرير وأهل الحجاز يقولون قِنْوان، وقيس يقول قُنْوان، قال امرؤ القيس
فأتَّتْ أعاليه وآدَتْ أُصولُهُ ومالَ بقِنْوانٍ منَ البُسْرِ أَحْمَرا   
وقال وتميم يقولون قُنْيَان، بالياء. قال وهي جمع قِنْو، كما أن صِنْوان جمع صِنْو، وقوله تعالى { وَجَنَّـٰتٍ مِّنْ أَعْنَـٰبٍ } أي ونخرج منه جنات من أعناب، وهذان النوعان هما أشرف الثمار عند أهل الحجاز، وربما كانا خيار الثمار في الدنيا كما امتن الله بهما على عباده، في قوله تعالىوَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَـٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا } النحل 67 وكان ذلك قبل تحريم الخمر، وقالوَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّـٰتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـٰبٍ } يس 34. وقوله تعالى { وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } قال قتادة وغيره متشابه في الورق والشكل، قريب بعضه من بعض، ومتخالف في الثمار شكلاً وطعماً وطبعاً، وقوله تعالى { ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ } أي نضجه، قاله البراء بن عازب، وابن عباس، والضحاك، وعطاء الخراساني، والسدي، وقتادة، وغيرهم، أي فكروا في قدرة خالقه من العدم إلى الوجود، بعد أن كان حطباً، صار عنباً ورطباً، وغير ذلك مما خلق سبحانه وتعالى من الألوان والأشكال والطعوم والروائح، كقوله تعالىوَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرَٰتٌ وَجَنَّـٰتٌ مِّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوَٰنٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَٰحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ } الرعد 4 الآية، ولهذا قال ههنا { إِنَّ فِى ذٰلِكُمْ } أيها الناس { لآيَـٰتٍ } أي دلالات على كمال قدرة خالق هذه الأشياء وحكمته ورحمته { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } أي يصدقون به، ويتبعون رسله.