الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } * { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } * { وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }

يقول تعالى مخبراً عن خليله إبراهيم، حين جادله قومه فيما ذهب إليه من التوحيد، وناظروه بشبه من القول، أنه قال { أَتُحَاجُّوۤنِّى فِى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِى } أي تجادلونني في أمر الله، وأنه لا إله إلا هو، وقد بصرني وهداني إلى الحق، وأنا على بينة منه، فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة؟ وقوله { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّى شَيْئاً } أي ومن الدليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه، أن هذه الآلهة التي تعبدونها لا تؤثر شيئاً، وأنا لا أخافها، ولا أباليها، فإن كان لها كيد، فكيدوني بها، ولا تنظرون، بل عاجلوني بذلك. وقوله تعالى { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّى شَيْئاً } استثناء منقطع، أي لا يضر ولا ينفع إلا الله عز وجل { وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْماً } أي أحاط علمه بجميع الأشياء، فلا يخفى عليه خافية { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } أي فيما بينته لكم، أفلا تعتبرون أن هذه الآلهة باطلة فتنزجروا عن عبادتها؟ وهذه الحجة نظير ما احتج بها نبي الله هود عليه السلام على قومه عاد، فيما قص عنهم في كتابه، حيث يقولقَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ ءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّىۤ أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّى بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } هود 53-56 الآية. وقوله { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ } أي كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله، { وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَـٰناً } قال ابن عباس وغير واحد من السلف أي حجة، وهذا كقوله تعالىأَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } الشورى 21، وقوله تعالىإِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } النجم 23، وقوله { فَأَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي فأي طائفتين أصوب؟ الذي عبد من بيده الضر والنفع، أو الذي عبد من لا يضر ولا ينفع بلا دليل، أيهما أحق بالأمن من عذاب الله يوم القيامة؟ قال الله تعالى { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له، ولم يشركوا به شيئاً، هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدنيا والآخرة. قال البخاري حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة عن سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال لما نزلت { وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ } قال أصحابه وأينا لم يظلم نفسه؟ فنزلت

السابقالتالي
2 3 4