الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } * { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ } * { وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم { قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ ٱللَّهِ } أي لست أملكها، ولا أتصرف فيها، { وَلاۤ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، إنما ذاك من علم الله عز وجل، ولا أطلع منه إلا على ما أطلعني عليه، { وَلاۤ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ } أي ولا أدعي أني ملك، إنما أنا بشر من البشر، يوحى إليّ من الله عز وجل، شرفني بذلك، وأنعم عليّ به، ولهذا قال { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَىَّ } أي لست أخرج عنه قيد شبر، ولا أدنى منه، { قُلْ هَلْ يَسْتَوىِ ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي هل يستوي من اتبع الحق وهدي إليه، ومن ضل عنه فلم ينقد له { أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } وهذه كقوله تعالىأَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ } الرعد 19 وقوله { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } أي وأنذر بهذا القرآن يا محمدٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } المؤمنون57وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } الرعد 21 { ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } أي يوم القيامة { لَيْسَ لَهُمْ } أي يومئذ { مِّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } أي لا قريب لهم، ولا شفيع فيهم من عذابه إن أراده بهم، { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي أنذر هذا اليوم الذي لا حاكم فيه إلا الله عز وجل، { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } فيعملون في هذه الدار عملاً ينجيهم الله به يوم القيامة من عذابه، ويضاعف لهم به الجزيل من ثوابه. وقوله تعالى { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } أي لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفات عنك، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك كقولهوَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } الكهف 28. وقوله { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي يعبدونه ويسألونه { بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىِّ } قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة المراد به الصلاة المكتوبة، وهذا كقولهوَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِىۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } غافر 60 أي أتقبل منكم. وقوله { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } أي يريدون بذلك العمل وجه الله الكريم، وهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات، وقوله { مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَىْءٍ } كقول نوح عليه السلام في جواب الذين { قَالُوۤاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ } ، أي إنما حسابهم على الله عز وجل، وليس عليّ من حسابهم من شيء كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء، وقوله { فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } أي إن فعلت هذا والحالة هذه، قال الإمام أحمد حدثنا أسباط، هو ابن محمد، حدثني أشعث عن كردوس، عن ابن مسعود قال مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار، فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن { وَأَنذِرْ بِهِ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } - إلى قوله - { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّـٰكِرِينَ } ورواه ابن جرير من طريق أشعث، عن كردوس، عن ابن مسعود، قال مرّ الملأ من قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب، وغيرهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين مَنَّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعاً لهؤلاء؟ اطردهم، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك، فنزلت هذه الآية { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } إلى آخر الآية، وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود، عن خباب، في قول الله عز وجل { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِىِّ } قال جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب، قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم في نفر في أصحابه، فأتوه، فخلوا به، وقالوا إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلساً تعرف لنا به العرب فضلنا فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك، فأقمهم عنا، فإذا نحن فرغنا، فاقعد معهم إن شئت، قال

السابقالتالي
2 3 4 5