الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } * { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } * { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } * { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } * { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

يخبر تعالى أنه الفعَّال لما يريد، المتصرف في خلقه بما يشاء، وأنه لا معقب لحكمه، ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه، بل هو وحده لا شريك له، الذي إذا سئل، يجيب لمن يشاء، ولهذا قال { قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ } أي أتاكم هذا أو هذا { أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي لا تدعون غيره لعلمكم أَنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه، ولهذا قال { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } أي في اتخاذكم آلهة معه { بَلْ إِيَّـٰهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } أي في وقت الضرورة، لا تدعون أحداً سواه، وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كقولهوَإِذَا مَسَّكُمُ ٱلْضُّرُّ فِي ٱلْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ } الإسراء 67 الآية، وقوله { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَـٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ } يعني الفقر والضيق في العيش، { وٱلضَّرَّاءِ } وهي الأمراض والأسقام والآلام { لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } أي يدعون الله، ويتضرعون إليه ويخشعون، قال الله تعالى { فَلَوْلاۤ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ } أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك، تضرعوا إلينا، وتمسكنوا لدينا، ولكن { قَسَتْ قُلُوبُهُمْ } أي ما رقت ولا خشعت { وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مَا كَانُواّ يَعْمَلُونَ } أي من الشرك والمعاندة والمعاصي، { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } أي أعرضوا عنه، وتناسوه، وجعلوه وراء ظهورهم، { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } أي فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم، عياذاً بالله من مكره، ولهذا قال { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ } أي من الأموال والأولاد والأرزاق، { أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً } أي على غفلة، { فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } أي آيسون من كل خير، قال الوالبي عن ابن عباس المبلس الآيس، وقال الحسن البصري من وسع الله عليه، فلم ير أنه يمكر به، فلا رأي له، ومن قتر عليه، فلم ير أنه ينظر له، فلا رأي له، ثم قرأ { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } قال مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم، ثم أخذوا، رواه ابن أبي حاتم، وقال قتادة بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قوماً قط، إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون، رواه ابن أبي حاتم أيضاً. وقال مالك عن الزهري { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } قال رخاء الدنيا ويسرها، وقد قال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين - يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري - عن حرملة بن عمران التجيبي، عن عقبة بن مسلم، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2