الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

قال ابن جرير { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ } تقديره ثم قل يا محمد مخبراً عنا أنا آتينا موسى الكتاب بدلالة قوله { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } قلت وفي هذا نظر، وثم ههنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر، لا للترتيب ههنا كما قال الشاعر
قُلْ لِمَنْ سادَ ثُمَّ سادَ أَبُوه ثُمَّ قَدْ سادَ قَبْلَ ذلكَ جَدُّهُ   
وههنا لما أخبر الله سبحانه عن القرآن بقوله { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ } ، عطف بمدح التوراة ورسولها، فقال { ثم آتينا موسى الكتاب } ، وكثيراً ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة كقوله تعالىوَمِن قَبْلِهِ كِتَـٰبُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً } الأحقاف 12 وقوله أول هذه السورةقُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَٰطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً } الأنعام 91 الآية، وبعدهاوَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ } الأنعام 92 الآية. وقال تعالى مخبراً عن المشركينفَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ أُوتِىَ مِثْلَ مَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ } القصص 48 قال تعالىأَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِىَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَـٰهَرَا وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ } القصص 48 وقال تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوايٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـٰباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِىۤ إِلَى الحَقِّ } الأحقاف 30 الآية، وقوله تعالى { تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِىۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً } أي آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماماً كاملاً جامعاً لما يحتاج إليه في شريعته كقولهوَكَتَبْنَا لَهُ فِى ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍ } الأعراف 145 الآية، وقوله تعالى { عَلَى ٱلَّذِىۤ أَحْسَنَ } أي جزاء على إحسانه في العمل، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا كقولههَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَـٰنِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } الرحمن 60 وكقولهوَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } البقرة 124 وكقولهوَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِـآيَـٰتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة 24. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ تَمَامًا عَلَى ٱلَّذِىۤ أَحْسَنَ } يقول أحسن فيما أعطاه الله. وقال قتادة من أحسن في الدنيا، تمم له ذلك في الآخرة، واختار ابن جرير أن تقديره { ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ تَمَامًا } على إحسانه، فكأنه جعل الذي مصدرية كماقيل في قوله تعالىوَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } التوبة 69 أي كخوضهم، وقال ابن رواحة
وثَبَّتَ اللّهُ ما آتاكَ مِنْ حَسَنٍ في المرسلين ونَصْراً كالذي نُصِروا   
وقال آخرون { ٱلَّذِىۤ } ههنا بمعنى الذين، قال ابن جرير وذكر عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرؤها تماماً على الذين أحسنوا وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد تماماً على الذي أحسن، قال على المؤمنين والمحسنين، وكذا قال أبو عبيدة. وقال البغوي المحسنون الأنبياء والمؤمنون، يعني أظهرنا فضله عليهم. قلت كقوله تعالىقَالَ يَٰمُوسَىٰ إِنْى ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِي وَبِكَلَـٰمِي }

السابقالتالي
2