الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } * { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }

هذه مناظرة ذكرها الله تعالى، وشبهة تشبث بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا، فإن الله مطلع على ما هم فيه من الشرك والتحريم لما حرموه، وهو قادر على تغييره بأن يلهمنا الإيمان، ويحول بيننا وبين الكفر، فلم يغيره، فدل على أنه بمشيئته وإرادته ورضاه منا بذلك، ولهذا قالوا { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَآؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَىْءٍ } كما في قوله تعالىوَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ } الزخرف 20 الآية، وكذلك الآية التي في النحل مثل هذه سواء. قال الله تعالى { كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي بهذه الشبهة ضل من ضل قبل هؤلاء، وهي حجة داحضة باطلة لأنها لو كانت صحيحة، لما أذاقهم الله بأسه، ودمر عليهم، وأدال عليهم رسله الكرام، وأذاق المشركين من أليم الانتقام، { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ } أي بأن الله راض عنكم فيما أنتم فيه { فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ } أي فتظهروه لنا، وتبينوه وتبرزوه { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي الوهم والخيال، والمراد بالظن هاهنا الاعتقاد الفاسد { وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ } تكذبون على الله فيما ادعيتموه، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } وقال { كَذَٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ثم قالوَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } الأنعام 107 فإنهم قالوا عبادتنا الآلهة تقربنا إلى الله زلفى، فأخبرهم الله أنها لا تقربهم، فقولهوَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ } الأنعام 107 يقول تعالى لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين، وقوله تعالى { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم { قُلْ } لهم يا محمد { فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَـٰلِغَةُ } أي له الحكمة التامة، والحجة البالغة في هداية من هدى، وإضلال من ضل، { فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } فكل ذلك بقدرته ومشيئته واختياره، وهو مع ذلك يرضى عن المؤمنين، ويبغض الكافرين كما قال تعالىوَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } الأنعام 35 وقال تعالىوَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى ٱلأَرْضِ } يونس 99 وقولهوَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } هود118-119 قال الضحاك لا حجة لأحد عصى الله، ولكن لله الحجة البالغة على عباده، وقوله تعالى { قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ } أي أحضروا شهداءكم { ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا } أي هذا الذي حرمتموه، وكذبتم وافتريتم على الله فيه { فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ } أي لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذباً وزوراً { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } أي يشركون به، ويجعلون له عديلاً.