الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

هذا ذم وتوبيخ من الله للمشركين الذين ابتدعوا بدعاً وكفراً وشركاً، وجعلوا لله شركاء، وجزءاً من خلقه، وهو خالق كل شيء سبحانه وتعالى، ولهذا قال تعالى { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ } أي مما خلق وبرأ { مِنَ ٱلْحَرْثِ } أي من الزرع والثمار { وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } أي جزءاً وقسماً، { فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } وقوله { فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ }. قال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية إن أعداء الله كانوا إذا حرثوا حرثاً، أو كانت لهم ثمرة، جعلوا لله منه جزءاً، وللوثن جزءاً، فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان، حفظوه وأحصوه، وإن سقط منه شيء فيما سمي للصمد، ردوه إلى ما جعلوه للوثن، وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن، فسقى شيئاً جعلوه لله، جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيء من الحرث والثمرة التي جعلوا لله، فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا هذا فقير، ولم يردوه إلى ما جعلوه لله، وإن سبقهم الماء الذي جعلوه لله، فسقى ما سمي للوثن تركوه للوثن، وكانوا يحرمون من أموالهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام، فيجعلونه للأوثان، ويزعمون أنهم يحرمونه قربة لله، فقال الله تعالى { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } الآية، وهكذا قال مجاهد وقتادة والسدي وغير واحد، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية كل شيء يجعلونه لله من ذبح يذبحونه، لا يأكلونه أبداً حتى يذكروا معه أسماء الآلهة، وما كان للآلهة، لم يذكروا اسم الله معه، وقرأ الآية حتى بلغ { سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } أي ساء ما يقسمون، فإنهم أخطؤوا أولاً في القسم لأن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه وخالقه، وله الملك، وكل شيء له وفي تصرفه، وتحت قدرته ومشيئته، لا إله غيره، ولا رب سواه، ثم لما قسموا فيما زعموا القسمة الفاسدة، لم يحفظوها، بل جاروا فيها كقوله جل وعلاوَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ٱلْبَنَـٰتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ } النحل 57 وقال تعالىوَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } الزخرف 15 وقال تعالىأَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } النجم 21 وقولهتِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } النجم 22.