* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق
البصائر هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ } كقوله{ فَمَنُ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } الإسراء 15 ولهذا قال { وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا } لما ذكر البصائر، قال { وَمَنْ عَمِىَ فَعَلَيْهَا } أي إنما يعود وباله عليه، كقوله{ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ } الحج 46. { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } أي بحافظ ولا رقيب، بل أنا مبلغ، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وقوله { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَـٰتِ } أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان التوحيد، وأنه لا إله إلا هو، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن لجهالة الجاهلين، وليقول المشركون والكافرون المكذبون دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب، وقارأتهم، وتعلمت منهم، هكذا قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وغيرهم، وقال الطبراني حدثنا عبد الله ابن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن كيسان، قال سمعت ابن عباس يقول دارست تلوت، خاصمت، جادلت، وهذا كقوله تعالى إخباراً عن كذبهم وعنادهم{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً وَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا } الفرقان4-5 الآية، وقال تعالى إخباراً عن زعيمهم وكاذبهم{ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ } المدثر 18 - 25، وقوله { وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتبعونه، والباطل فيجتنبونه، فلله تعالى الحكمة البالغة في إضلال أولئك، وبيان الحق لهؤلاء كقوله تعالى{ يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا } البقرة 26 الآية، وكقوله{ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى ٱلشَّيْطَـٰنُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ } الحج 53{ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } الحج 54 وقال تعالى{ وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } المدثر 31 وقال{ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا } الإسراء 82 وقال تعالى{ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِىۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } فصلت 44 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى أنزل القرآن هدى للمتقين، وأنه يضل به من يشاء، ويهدي من يشاء.