الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ }

يقول تعالى { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي الذي خلق كل شيء، ولا ولد له ولا صاحبة { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَـٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَٱعْبُدُوهُ } أي فاعبدوه وحده، لا شريك له، وأقروا له بالوحدانية، وأنه لا إله إلا هو، وأنه لا ولد له، ولا والد، ولا صاحبة له، ولا نظير ولا عديل { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ } أي حفيظ ورقيب، يدبر كل ما سواه، ويرزقهم ويكلؤهم بالليل والنهار، وقوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } فيه أقوال للأئمة من السلف أحدها لا تدركه في الدنيا، وإن كانت تراه في الآخرة، كما تواترت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما طريق ثابت، في الصحاح والمسانيد والسنن، كما قال مسروق عن عائشة أنها قالت من زعم أن محمداً أبصر ربه فقد كذب، وفي رواية على الله فإن الله تعالى قال { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ } رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي الضحى، عن مسروق، ورواه غير واحد عن مسروق، وثبت في الصحيح وغيره عن عائشة من غير وجه، وخالفها ابن عباس، فعنه إطلاق الرؤية، وعنه أنه رآه بفؤاده مرتين، والمسألة تذكر في أول سورة النجم إن شاء الله. وقال ابن أبي حاتم ذكر محمد بن مسلم، حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، حدثنا يحيى بن معين، قال سمعت إسماعيل بن علية يقول في قول الله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } قال هذا في الدنيا، وذكر أبي عن هشام بن عبيد الله، أنه قال نحو ذلك. وقال آخرون { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } أي جميعها، وهذا مخصص بما ثبت من رؤية المؤمنين له في الدار الآخرة، وقال آخرون من المعتزلة، بمقتضى ما فهموه من هذه الآية إنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، فخالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك، مع ما ارتكبوه من الجهل بما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله. أما الكتاب، فقوله تعالىٱوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة22-23 وقال تعالى عن الكافرينكَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } المطفّفين 15 قال الإمام الشافعي فدل هذا على أن المؤمنين لا يحجبون عنه تبارك وتعالى. أما السنة، فقد تواترت الأخبار عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وأنس، وجرير، وصهيب، وبلال وغير واحد من الصحابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤمنين يرون الله في الدار الآخرة، في العرصات، وفي روضات الجنات، جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه آمين. وقيل المراد بقوله { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَـٰرُ } أي العقول، رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين، عن الفلاس، عن ابن مهدي، عن أبي حصين يحيى بن الحصين، قارئ أهل مكة، أنه قال ذلك، وهذا غريب جداً، وخلاف ظاهر الآية، وكأنه اعتقد أن الإدراك في معنى الرؤية، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3