الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } * { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

يقول تعالى مخبراً عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله، يعني الذين هم في حد، والشرع في حد، أي مجانبون للحق، مشاقون له، هم في ناحية، والهدى في ناحية { أُوْلَـٰئِكَ فِى ٱلأَذَلِّينَ } أي في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة. { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِىۤ } أي قد حكم وكتب في كتابه الأول، وقدره الذي لا يخالف ولا يمانع، ولا يبدل، بأن النصرة له ولكتابه ورسله وعباده المؤمنين في الدنيا والآخرة،وأن العاقبة للمتقين، كما قال تعالىإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُ يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّـٰلِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } غافر 51 ــــ 52 وقال ههنا { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِىۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ } أي كتب القوي العزيز أنه الغالب لأعدائه، وهذا قدر محكم وأمر مبرم أن العاقبة والنصرة للمؤمنين في الدنيا والآخرة. ثم قال تعالى { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلأَخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } أي لا يوادّون المحادّين، ولو كانوا من الأقربين كما قال تعالىلاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } آل عمران 28 الآية. وقال الله تعالىقُلْ إِن كَانَ ءَابَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَٰنُكُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَٰلٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } التوبة 24 وقد قال سعيد بن عبد العزيز وغيره أنزلت هذه الآية { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاَْخِرِ } إلى آخرها، في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح حين قتل أباه يوم بدر، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى بعده في أولئك الستة رضي الله عنهم " ولو كان أبو عبيدة حياً، لاستخلفته ". وقيل في قوله تعالى { وَلَوْ كَانُوۤاْ ءَابَآءَهُمْ } نزلت في أبي عبيدة، قتل أباه يوم بدر { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ } في الصديق، همَّ يومئذ بقتل ابنه عبد الرحمن، { أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ } في مصعب بن عمير، قتل أخاه عبيد بن عمير يومئذ، { أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } في عمر، قتل قريباً له يومئذ أيضاً، وفي حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، قتلوا عتبة وشيبة والوليد بن عتبة يومئذ، فالله أعلم. قلت ومن هذا القبيل حين استشار رسول الله المسلمين في أسارى بدر، فأشار الصديق بأن يفادوا، فيكون ما يؤخذ منهم قوة للمسلمين، وهم بنو العم والعشيرة، ولعل الله تعالى أن يهديهم، وقال عمر لا أرى ما رأى يا رسول الله هل تمكنني من فلان، قريب لعمر، فأقتله؟ وتمكن علياً من عقيل، وتمكن فلاناً من فلان ليعلم الله أنه ليست في قلوبنا موادة للمشركين، القصة بكمالها.

السابقالتالي
2