الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

يقول الله تعالى أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي تلين عند الذكر والموعظة، وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له، وتسمع له وتطيعه؟ قال عبد الله بن المبارك حدثنا صالح المري عن قتادة عن ابن عباس أنه قال إن الله استبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن، فقال { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }؟ الآية، رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح عن حسين المروزي عن ابن المبارك به. ثم قال هو ومسلم حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، يعني الليثي، عن عون بن عبد الله عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }؟ الآية، إلا أربع سنين. كذا رواه مسلم في آخر الكتاب، وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الآية عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب به. وقد رواه ابن ماجه من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه مثله، فجعله من مسند ابن الزبير، لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب عن أبي حازم عن عامر عن ابن الزبير عن ابن مسعود، فذكره. وقال سفيان الثوري عن المسعودي عن القاسم قال ملّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة، فقالوا حدثنا يارسول الله فأنزل الله تعالىنَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } يوسف 3 قال ثم ملوا ملة فقالوا حدثنا يارسول الله فأنزل الله تعالىٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } الزمر 23 ثم ملوا ملة فقالوا حدثنا يارسول الله فأنزل الله تعالى { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }. وقال قتادة { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أول ما يرفع من الناس الخشوع " وقوله تعالى { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الأمد، بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمناً قليلاً، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظة، ولاتلين قلوبهم بوعد ولا وعيد، { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـٰسِقُونَ } أي في الأعمال، فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة كما قال تعالى

السابقالتالي
2 3