الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَٱلْفَخَّارِ } * { وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } * { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

يذكر تعالى خلقه الإنسان من صلصال كالفخار، وخلقه الجان من مارج من نار، وهو طرف لهبها، قاله الضحاك عن ابن عباس، وبه يقول عكرمة ومجاهد والحسن وابن زيد، وقال العوفي عن ابن عباس من مارج من نار من لهب النار من أحسنها، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس من مارج من نار من خالص النار، وكذلك قال عكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم. وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم " ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد، كلاهما عن عبد الرزاق به. وقوله تعالى { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }؟ تقدم تفسيره { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } يعني مشرقي الصيف والشتاء، ومغربي الصيف والشتاء، وقال في الآية الأخرىفَلاَ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَـٰرِقِ وَٱلْمَغَـٰرِبِ } المعارج 40 وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم، وبروزها منه إلى الناس. وقال في الآية الأخرى { رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً } وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال { فَبِأَىِّ ءَالاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }؟ وقوله تعالى { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } قال ابن عباس أي أرسلهما. وقوله { يَلْتَقِيَانِ } قال ابن زيد أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما، والمراد بقوله البحرين الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس، وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالىوَهُوَ ٱلَّذِى مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً } الفرقان 53 وقد اختار ابن جرير ههنا أن المراد بالبحرين بحر السماء، وبحر الأرض، وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى، قال ابن جرير لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض، وهذا وإن كان هكذا، لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه، فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } أي وجعل بينهما برزخاً، وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا، وهذا على هذا، فيفسد كل واحد منهما الآخر، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه، وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخاً وحجراً محجوراً. وقوله تعالى { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } أي من مجموعهما، فإذا وجد ذلك من أحدهما، كفى كما قال تعالىيَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } الأنعام 130 والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن، وقد صح هذا الإطلاق.

السابقالتالي
2