الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } * { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } * { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } * { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } * { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

يخبرنا تعالى عن المجرمين أنهم في ضلال عن الحق، وسعر مما هم فيه من الشكوك والاضطراب في الآراء، وهذا يشمل كل من اتصف بذلك من كافر ومبتدع من سائر الفرق، ثم قال تعالى { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } أي كما كانوا في سعر وشك وتردد، أورثهم ذلك النار، وكما كانوا ضلالاً، يسحبون فيها على وجوههم، لا يدرون أين يذهبون، ويقال لهم تقريعاً وتوبيخاً { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ }. وقوله تعالى { إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } كقوله { وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } وكقوله تعالىسَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ٱلَّذِى خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَٱلَّذِى قَدَّرَ فَهَدَىٰ } الأعلى 1 ــــ 3 أي قدر قدراً، وهدى الخلائق إليه، ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها، وردوا بهذه الآية وبما شاكلها من الآيات وما ورد في معناها من الأحاديث الثابتات على الفرقة القدرية، الذين نبغوا في أواخر عصر الصحابة، وقد تكلمنا على هذا المقام مفصلاً وما ورد فيه من الأحاديث في شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري رحمه الله، ولنذكر ههنا الأحاديث المتعلقة بهذه الآية الكريمة. قال أحمد حدثنا وكيع، حدثنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر عن أبي هريرة قال جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر، فنزلت { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } وهكذا رواه مسلم والترمذي وابن ماجه من حديث وكيع عن سفيان الثوري به. وقال البزار حدثنا عمرو بن علي، حدثنا الضحاك بن مخلد، حدثنا يونس بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ما نزلت هذه الآيات { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } إلا في أهل القدر. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي، حدثني قرة بن حبيب عن كنانة، حدثني جرير بن حازم عن سعيد بن عمرو بن جعدة، عن ابن زرارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } قال " نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله " وحدثنا الحسن بن عرفة حدثنا مروان بن شجاع الجزري عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال أتيت ابن عباس وهو ينزع من زمزم، وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له قد تكلم في القدر، فقال أوقد فعلوها؟ قلت نعم، قال فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } أولئك شرار هذه الأمة، فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن رأيت أحداً منهم، فقأت عينيه بأصبعي هاتين.

السابقالتالي
2 3 4