الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } * { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ }

يخبر تعالى أنه مالك السموات والأرض، وأنه الغني عما سواه، الحاكم في خلقه بالعدل، وخلق الخلق بالحق { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } أي يجازي كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ثم فسر المحسنين بأنهم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، أي لا يتعاطون المحرمات الكبائر، وإن وقع منهم بعض الصغائر، فإنه يغفر لهم، ويستر عليهم كما قال في الآية الأخرىإِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } النساء 31 وقال ههنا { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } وهذا استثناء منقطع، لأن اللمم من صغائر الذنوب، ومحقرات الأعمال. قال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن ثور، حدثنا معمر عن الأعمش عن أبي الضحى أن ابن مسعود قال زنا العينين النظر، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، فإن تقدم بفرجه كان زانياً، وإلا فهو اللمم، وكذا قال مسروق والشعبي. وقال عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي قال سألت أبا هريرة عن قول الله { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } قال القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة، فإذا مس الختان الختان، فقد وجب الغسل، وهو الزنا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } إلا ما سلف، وكذا قال زيد بن أسلم. وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد ابن جعفر، حدثنا شعبة عن منصور عن مجاهد أنه قال في هذه الآية { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } قال الذي يلم بالذنب، ثم يدعه، قال الشاعر
إِنْ تَغْفِرِ اللُّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ ما أَلَمَّا!   
وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد في قول الله تعالى { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } قال الرجل يلم بالذنب، ثم ينزع عنه. قال وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون
إِنْ تَغْفِرِ اللّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا وأَيُّ عَبْدٍ لَكَ ما أَلَمَّا!   
وقد رواه ابن جرير وغيره مرفوعاً، قال ابن جرير حدثني سليمان بن عبد الجبار، حدثنا أبو عاصم، حدثنا زكريا بن إسحاق عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَـٰئِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَٰحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ } قال هو الرجل الذي يلم بالفاحشة، ثم يتوب، وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3