الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } * { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }

يقول تعالى مخبراً عن المتقين لله عز وجل أنهم يوم معادهم يكونون في جنات وعيون، بخلاف ما أولئك الأشقياء فيه من العذاب والنكال والحريق والأغلال. وقوله تعالى { ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } قال ابن جرير أي عاملين بما آتاهم الله من الفرائض { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } أي قبل أن يفرض عليهم الفرائض، كانوا محسنين في الأعمال أيضاً، ثم روي عن ابن حميد حدثنا مهران عن سفيان عن أبي عمر عن مسلم البطين، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ } قال من الفرائض { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ } قبل الفرائض يعملون، وهذا الإسناد ضعيف، ولا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقد رواه عثمان بن أبي شيبة عن معاوية بن هشام عن سفيان، عن أبي عمر البزار عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، فذكره، والذي فسر به ابن جرير فيه نظر لأن قوله تبارك وتعالى آخذين، حال من قوله في جنات وعيون، فالمتقون في حال كونهم في الجنات والعيون آخذين ماآتاهم ربهم، أي من النعيم والسرور والغبطة، وقوله عز وجل { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } أي في الدار الدنيا { مُحْسِنِينَ } كقوله جل جلالهكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } الحاقة 24 ثم إنه تعالى بين إحسانهم في العمل، فقال جل وعلا { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } اختلف المفسرون في ذلك على قولين أحدهما أن ما نافية، تقديره كانوا قليلاً من الليل لا يهجعونه، قال ابن عباس رضي الله عنهما لم تكن تمضي عليهم ليلة إلا يأخذون منها ولو شيئاً، وقال قتادة عن مطرف بن عبد الله قل ليلة لا تأتي عليهم إلا يصلون فيها لله عز وجل، إما من أولها، وإما من أوسطها. وقال مجاهد قل ما يرقدون ليلة حتى الصباح لا يتهجدون، وكذا قال قتادة، وقال أنس بن مالك رضي الله عنه وأبو العالية كانوا يصلون بين المغرب والعشاء. وقال أبو جعفر الباقر كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة، والقول الثاني أن ما مصدرية تقديره كانوا قليلاً من الليل هجوعهم ونومهم، واختاره ابن جرير. وقال الحسن البصري { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } كابدوا قيام الليل فلا ينامون من الليل إلا أقله، ونشطوا فمدوا إلى السحر، حتى كان الاستغفار بسحر، وقال قتادة قال الأحنف بن قيس { كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } كانوا لا ينامون إلا قليلاً، ثم يقول لست من أهل هذه الآية. وقال الحسن البصري كان الأحنف بن قيس يقول عرضت عملي على عمل أهل الجنة، فإذا قوم قد باينونا بوناً بعيداً، إذا قوم لا نبلغ أعمالهم، كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وعرضت عملي على عمل أهل النار، فإذا قوم لا خير فيهم، مكذبون بكتاب الله وبرسول الله، مكذبون بالبعث بعد الموت، فقد وجدت من خيرنا منزلة قوماً خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.

السابقالتالي
2 3 4