الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ }

يقول تعالى وكم أهلكنا قبل هؤلاء المكذبين { مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة، وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها، ولهذا قال تعالى ههنا { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ }؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما أثروا فيها. وقال مجاهد { فَنَقَّبُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ } ضربوا في الأرض. وقال قتادة فساروا في البلاد، أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب أكثر مما طفتم بها، ويقال لمن طوف في البلاد نقب فيها، قال امرؤ القيس
لَقَدْ نَقَّبْتُ في الآفاقِ حَتَّى رَضِيْتُ منَ الغَنيمَةِ بالإيابِ   
وقوله تعالى { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } أي هل من مفر كان لهم من قضاء الله وقدره؟ وهل نفعهم ما جمعوه ورد عنهم عذاب الله إذ جاءهم لما كذبوا الرسل؟ فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد ولا مناص ولا محيص. وقوله عز وجل { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ } أي لعبرة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي لب يعي به. وقال مجاهد عقل { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } أي استمع الكلام فوعاه وتعقله بعقله، وتفهمه بلبه، وقال مجاهد { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } يعني لا يحدث نفسه في هذا بقلب، وقال الضحاك العرب تقول ألقى فلان سمعه إذا استمع بأذنيه، وهو شاهد بقلب غير غائب، وهكذا قال الثوري وغير واحد. وقوله سبحانه وتعالى { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } فيه تقرير للمعاد لأن من قدر على خلق السموات والأرض، ولم يعي بخلقهن، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى، وقال قتادة قالت اليهود ــــ عليهم لعائن الله ــــ خلق الله السموات والأرض في ستة أيام، ثم استراح في اليوم السابع، وهو يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة، فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } أي من إعياء ولا تعب ولا نصب، كما قال تبارك وتعالى في الآية الأخرىأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ } الأحقاف 33 وكما قال عز وجللَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } غافر 57 وقال تعالىأَءَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَـٰهَا } النازعات 27. وقوله عز وجل { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } يعني المكذبين، اصبر عليهم، واهجرهم هجراً جميلاً { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته حولاً، ثم نسخ في حق الأمة وجوبه، ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات، ولكن منهن صلاة الصبح والعصر، فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب.

السابقالتالي
2