الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

قال الوالبي عن ابن عباس قوله { لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ } قال هو الضعيف من الصيد وصغيره، يبتلي الله به عباده في إحرامهم، حتى لو شاؤوا لتناولوه بأيديهم، فنهاهم الله أن يقربوه. وقال مجاهد { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } يعني صغار الصيد وفراخه، { وَرِمَـٰحُكُمْ } يعني كباره. وقال مقاتل بن حيان أنزلت هذه الآية في عمرة الحديبية، فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم، لم يروا مثله قط فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد، يغشاهم في رحالهم يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سراً وجهراً لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره وجهره، كما قال تعالىإِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِٱلْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } الملك12 وقوله ههنا { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ } قال السدي وغيره يعني بعد هذا الإعلام والإنذار والتقدم، { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي لمخالفته أمر الله وشرعه. ثم قال تعالى { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وهذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهي عن تعاطيه فيه، وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول، وما يتولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر، فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها، والجمهور على تحريم قتلها أيضاً، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهري عن عروة، عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور " وقال مالك عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور " أخرجاه، ورواه أيوب عن نافع عن ابن عمر مثله. قال أيوب فقلت لنافع فالحية؟ قال الحية لا شك فيها، ولا يختلف في قتلها. ومن العلماء كمالك وأحمد من ألحق بالكلب العقور الذئب والسبع والنمر والفهد لأنها أشد ضرراً منه، فالله أعلم. وقال زيد بن أسلم وسفيان بن عيينة الكلب العقور يشمل هذه السباع العادية كلها، واستأنس من قال بهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما دعا على عتبة بن أبي لهب، قال " اللهم سلط عليه كلبك بالشام " فأكله السبع بالزرقاء، قالوا فإن قتل ما عداهن، فداه كالضبع والثعلب وهرّ البر، ونحو ذلك، قال مالك وكذا يستثنى من ذلك صغار هذه الخمس المنصوص عليها، وصغار الملحق بها من السباع العوادي. وقال الشافعي يجوز للمحرم قتل كل مالا يؤكل لحمه، ولا فرق بين صغاره وكباره، وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7