الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } * { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }

يقول تعالى حاكماً بتكفير فرق النصارى من الملكية واليعقوبية والنسطورية ممن قال منهم بأن المسيح هو الله، تعالى الله عن قولهم، وتنزه وتقدس علواً كبيراً، هذا وقد تقدم لهم أن المسيح عبد الله ورسوله، وكان أول كلمة نطق وهو صغير في المهد أن قال إني عبد الله، ولم يقل أنا الله، ولا ابن الله، بل قالإِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَانِىَ ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً } مريم 30 إلى أن قالوَإِنَّ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ } مريم 36 وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبوته آمراً لهم بعبادة ربه وربهم، وحده لا شريك له، ولهذا قال تعالى { وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبُّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ } أي فيعبد معه غيره، { فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ } أي فقد أوجب له النار، وحرم عليه الجنة كما قال تعالىإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } النساء 48. وقال تعالىوَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } الأعراف 50، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعث منادياً ينادي في الناس " إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة " وفي لفظ «مؤمنة». وتقدم في أول سورة النساء عند قوله إن الله لا يغفر أن يشرك به، حديث يزيد بن بابنوس عن عائشة الدواوين ثلاثة، فذكر منه ديواناً لا يغفره الله، وهو الشرك بالله، قال الله تعالى { مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ } ، والحديث في مسند أحمد، ولهذا قال تعالى إخباراً عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } أي وما له عند الله ناصر ولا معين، ولا منقذ مما هو فيه. وقوله { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني، حدثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، حدثنا الفضل، حدثني أبو صخر في قول الله تعالى { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ } قال هو قول اليهود عزير ابن الله، وقول النصارى المسيح ابن الله، فجعلوا الله ثالث ثلاثة، وهذا قول غريب في تفسير الآية أن المراد بذلك طائفتا اليهود والنصارى، والصحيح أنها نزلت في النصارى خاصة، قاله مجاهد وغير واحد، ثم اختلفوا في ذلك فقيل المراد بذلك كفارهم في قولهم بالأقانيم الثلاثة وهو أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، قال ابن جرير وغيره و الطوائف الثلاثة من الملكية واليعقوبية والنسطورية تقول بهذه الأقانيم، وهم مختلفون فيها اختلافاً متبايناً، ليس هذا موضع بسطه، وكل فرقة منهم تكفر الأخرى، والحق أن الثلاثة كافرة.

السابقالتالي
2