الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } * { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

يقول تعالى قل يا محمد، لهؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من أهل الكتاب { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } أي هل لكم علينا مطعن أو عيب إلا هذا؟ وهذا ليس بعيب ولا مذمة، فيكون الاستثناء منقطعاً، كما في قوله تعالىوَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } البروج 8، وكقولهوَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } التوبة 74 وفي الحديث المتفق عليه " ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله " ، وقوله { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَـٰسِقُونَ } معطوف على { أَنْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } أي وآمنا بأن أكثركم فاسقون، أي خارجون عن الطريق المستقيم. ثم قال { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ } أي هل أخبركم بشر جزاء عند الله يوم القيامة مما تظنونه بنا؟ وهم أنتم الذين هم متصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } أي أبعده من رحمته { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } أي غضباً لا يرضى بعده أبداً { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } كما تقدم بيانه في سورة البقرة، وكما سيأتي إيضاحه في سورة الأعراف، وقد قال سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن المغيرة بن عبد الله، عن المعرور بن سويد، عن ابن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله؟ فقال " إن الله لم يهلك قوماً، أو لم يمسخ قوماً، فيجعل لهم نسلاً ولا عقباً، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك " وقد رواه مسلم من حديث سفيان الثوري ومسعر، كلاهما عن مغيرة بن عبد الله اليشكري به، وقال أبو داود الطيالسي حدثنا داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن أبي الأعين العبدي، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود قال سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن القردة والخنازير أهي من نسل اليهود؟ فقال " لا، إن الله لم يلعن قوماً قط فيمسخهم، فكان لهم نسل، ولكن هذا خلق كان، فلما غضب الله على اليهود، فمسخهم، جعلهم مثلهم " ، ورواه أحمد من حديث داود بن أبي الفرات به، وقال ابن مردويه حدثنا عبد الباقي، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا الحسن بن محبوب، حدثنا عبد العزيز بن المختار عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحيات مسخ الجن كما مسخت القردة والخنازير " هذا حديث غريب جداً. وقوله تعالى { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } قرىء وعَبَدَ الطاغوتَ على أنه فعل ماض، والطاغوت منصوب به، أي وجعل منهم من عَبَدَ الطاغوت، وقرىء وعَبَدَ الطَاغوتِ بالإضافة على أن المعنى وجعل منهم خدم الطاغوت، أي خدامه وعبيده، وقرىء وعُبُدَ الطاغوتِ على أنه جمع الجمع عبد، وعبيد، وعبد، مثل ثمار وثُمُرْ، حكاها ابن جرير عن الأعمش، وحكى عن بريدة الأسلمي أنه كان يقرؤها وعابد الطاغوت، وعن أبي وابن مسعود وعبدوا، وحكى ابن جرير عن أبي جعفر القارىء أنه كان يقرؤها وعُبِدَ الطاغوتُ على أنه مفعول ما لم يسم فاعله، ثم استبعد معناها، والظاهر أنه لا بعد في ذلك لأن هذا من باب التعريض بهم، أي وقد عبد الطاغوت فيكم، وأنتم الذين فعلتموه، وكل هذه القراءات يرجع معناها إلى أنكم يا أهل الكتاب الطاعنين في ديننا، والذي هو توحيد الله، وإفراده بالعبادات دون ما سواه، كيف يصدر منكم هذا، وأنتم قد وجد منكم جميع ماذكر؟ ولهذا قال { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } أي مما تظنون بنا { وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر مشاركة، كقوله عز وجل { أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً } الفرقان 24.

السابقالتالي
2 3