الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قال كثيرون من السلف في قوله { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ } يعني وأنتم محدثون، وقال آخرون إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، وكلاهما قريب. وقال آخرون بل المعنى أعم من ذلك، فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة، ولكن هو في حق المحدث واجب، وفي حق المتطهر ندب، وقد قيل إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجباً في ابتداء الإسلام، ثم نسخ، وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه، وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر يا رسول الله إنك فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال " إني عمداً فعلته يا عمر " ، وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد، ووقع في سنن ابن ماجه عن سفيان، عن محارب بن دثار بدل علقمة بن مرثد، كلاهما عن سليمان بن بريدة به، وقال الترمذي حسن صحيح. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عباد بن موسى، أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي، حدثنا الفضل بن المبشر قال رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد، فإذا بال أو أحدث، توضأ، ومسح بفضل طهوره الخفين، فقلت أبا عبد الله أشيء تصنعه برأيك؟ قال بل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه، فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله يصنعه، وكذا رواه ابن ماجه عن إسماعيل بن توبة، عن زياد البكائي به. وقال أحمد حدثنا يعقوب، حدثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة، طاهراً كان أو غير طاهر، عمن هو؟ قال حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل، حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة، طاهراً كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه، أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث، فكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك، كان يفعله حتى مات، وهكذا رواه أبو داود عن محمد بن عوف الحمصي عن أحمد بن خالد الذهبي، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، ثم قال أبو داود ورواه إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق، فقال عبيد الله بن عمر يعني كما تقدم في رواية الإمام أحمد، وأيا ما كان، فهو إسناد صحيح، وقد صرح ابن إسحاق فيه بالتحديث والسماع من محمد بن يحيى بن حبان، فزال محذور التدليس، لكن قال الحافظ ابن عساكر رواه سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد عن ابن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، عن محمد بن يحيى بن حبان به، والله اعلم، وفي فعل ابن عمر، هذا ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة، دلالة على استحباب ذلك، كما هو مذهب الجمهور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد