الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ }

هذا تنفير من موالاة أعداء الإسلام وأهله من الكتابيين والمشركين، الذين يتخذون أفضل ما يعمله العاملون، وهي شرائع الإسلام المطهرة المحكمة، المشتملة على كل خير دنيوي وأخروي، يتخذونها هزواً يستهزئون بها، ولعباً يعتقدون أنها نوع من اللعب في نظرهم الفاسد، وفكرهم البارد، كما قال القائل
وكَمْ مِنْ عائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً وآفَتُهُ من الفَهْمِ السَّقِيمِ   
وقوله تعالى { مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ } من ههنا لبيان الجنس كقوله { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } وقرأ بعضهم والكفار، بالخفض عطفاً، وقرأ آخرون بالنصب على أنه معمول { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ } تقديره ولا { وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ } أي لا تتخذوا هؤلاء ولا هؤلاء أولياء، والمراد بالكفار ههنا المشركون، وكذلك وقع في قراءة ابن مسعود فيما رواه ابن جرير { لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا }. وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي اتقوا الله أن تتخذوا هؤلاء الأعداء لكم ولدينكم أولياء، إن كنتم مؤمنين بشرع الله الذي اتخذه هؤلاء هزواً ولعباً، كما قال تعالىلاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } آل عمران 28. وقوله { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } أي وكذلك إذا أذنتم داعين إلى الصلاة التي هي أفضل الأعمال لمن يعقل ويعلم من ذوي الألباب { ٱتَّخَذُوهَا } أيضاً { هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } معاني عبادة الله وشرائعه، وهذه صفات أتباع الشيطان الذي إذا سمع الأذان أدبر وله حصاص، أي ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي التأذين، أقبل، فإذا ثوب للصلاة، أدبر، فإذا قضي التثويب، أقبل، حتى يخطر بين المرء وقلبه، فيقول اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك، فليسجد سجدتين قبل السلام» متفق عليه، وقال الزهري قد ذكر الله التأذين في كتابه، فقال { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ } رواه ابن أبي حاتم. وقال أسباط عن السدي في قوله { وَإِذَا نَـٰدَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } قال كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي أشهد أن محمداً رسول الله، قال حرق الكاذب، فدخلت خادمة ليلة من الليالي بنار، وهو نائم، وأهله نيام، فسقطت شرارة فأحرقت البيت، فاحترق هو وأهله، رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم. وذكر محمد بن إسحاق بن يسار في السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل الكعبة عام الفتح، ومعه بلال، فأمره أن يؤذن، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة، فقال عتاب بن أسيد لقد أكرم الله أسيداً أن لا يكون سمع هذا، فيسمع منه ما يغيظه، وقال الحارث بن هشام أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته، فقال أبو سفيان لا أقول شيئاً، لو تكلمت، لأخبرت عني هذه الحصى، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال

السابقالتالي
2 3