الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } * { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه، وأشدّ منعة، وأقوم سبيلاً، كما قال تعالىوَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } محمد 38. وقال تعالىإِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } النساء133 وقال تعالىإِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } فاطر16-17. أي بممتنع ولا صعب. وقال تعالى ههنا { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ } أي يرجع عن الحق إلى الباطل. قال محمد بن كعب نزلت في الولاة من قريش. وقال الحسن البصري نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال الحسن هو والله أبو بكر وأصحابه، رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو بكر بن أبي شيبة سمعت أبا بكر بن عياش يقول في قوله { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } هم أهل القادسية. وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد هم قوم من سبأ. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال ناس من أهل اليمن، ثم من كندة، من السَّكُون. وحدثنا أبي، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا معاوية، يعني ابن حفص، عن أبي زياد الحلفاني، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }. قال " هؤلاء قوم من أهل اليمن، ثم من كندة، ثم من السكون، ثم من تجيب " ، وهذا حديث غريب جداً. وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمر بن شبة، حدثنا عبد الصمد، يعني ابن عبد الوارث، حدثنا شعبة عن سماك، سمعت عياضاً يحدث عن أبي موسى الأشعري، قال لما نزلت { فَسَوْفَ يَأْتِى ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هم قوم هذا». ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحوه. وقوله تعالى { أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه، متعززاً على خصمه وعدوه، كما قال تعالىمُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } الفتح 29 وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتال، فهو ضحوك لأوليائه، قتال لأعدائه. وقوله عز وجل { يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَـٰفُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ } أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وإقامة الحدود، وقتال أعدائه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم، ولا عذل عاذل.

السابقالتالي
2 3 4