الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى، الذين هم أعداء الإسلام وأهله - قاتلهم الله - ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك، فقال { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } الآية. قال ابن أبي حاتم حدثنا كثير بن شهاب، حدثنا محمد، يعني ابن سعيد بن سابق، حدثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب، عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد، وكان له كاتب نصراني، فرفع إليه ذلك، فعجب عمر، وقال إن هذا لحفيظ، هل أنت قارىء لنا كتاباً في المسجد جاء من الشام؟ فقال إنه لا يستطيع، فقال عمر أجنب هو؟ قال لا بل نصراني. قال فانتهرني، وضرب فخذي، ثم قال أخرجوه، ثم قرأ { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَآءَ } الآية، ثم قال حدثنا محمد ابن الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا عثمان بن عمر، أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين، قال قال عبد الله بن عتبة ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر. قال فظنناه يريد هذه الآية { يَـٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَآءَ } الآية. وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا ابن فضيل عن عاصم، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب، فقال كل، قال الله تعالى { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } ، وروي عن أبي الزناد نحو ذلك. وقوله تعالى { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي شك وريب ونفاق، يسارعون فيهم، أي يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر، { يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } أي يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، فينفعهم ذلك. عند ذلك قال الله تعالى { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ } قال السدي يعني فتح مكة. وقال غيره يعني القضاء والفصل، { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ }. قال السدي يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى، { فَيُصْبِحُواْ } يعني الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين { عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىۤ أَنفُسِهِمْ } من الموالاة، { نَـٰدِمِينَ } أي على ما كان منهم مما لم يجد عنهم شيئاً، ولا دفع عنهم محذوراً، بل كان عين المفسدة فإنهم فضحوا، وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين بعد أن كانوا مستورين، لا يدرى كيف حالهم، فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم، تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين، ويحلفون على ذلك، ويتأولون، فبان كذبهم وافتراؤهم، ولهذا قال تعالى { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَهُـٰۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَـٰسِرِينَ }.

السابقالتالي
2 3