الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

يقول تعالى حاكماً وآمراً بقطع يد السارق والسارقة، وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عامر بن شراحيل الشعبي أن ابن مسعود كان يقرؤها { والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما } وهذه قراءة شاذة، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقاً لها، لا بها، بل هو مستفاد من دليل آخر، وقد كان القطع معمولاً به في الجاهلية، فقرر في الإسلام، وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى، كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقريرها على ما كانت عليه، وزيادات هي من تمام المصالح. ويقال إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش، قطعوا رجلاً يقال له دويك، مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال سرقه قوم، فوضعوه عنده، وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئاً، قطعت يده به، سواء كان قليلاً أو كثيراً لعموم هذه الآية { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } فلم يعتبروا نصاباً ولا حرزاً، بل أخذوا بمجرد السرقة. وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي، قال سألت ابن عباس عن قوله { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا } أخاص أم عام؟ فقال بل عام، وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فالله أعلم. وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده " وأما الجمهور، فاعتبروا النصاب في السرقة، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره، فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة، فعند الإمام مالك بن أنس رحمه الله النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة، فمتى سرقها، أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه، وجب القطع، واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم، أخرجاه في الصحيحين، قال مالك رحمه الله وقطع عثمان رضي الله عنه في أترجة قومت بثلاثة دراهم، وهو أحب ما سمعت في ذلك، وهذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقاً سرق في زمن عثمان أترجة، فأمر بها عثمان أن تقوم، فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهماً، فقطع عثمان يده. قال أصحاب مالك ومثل هذا الصنيع يشتهر، ولم ينكر، فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي، وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافاً للحنفية، وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافاً لهم في أنه لا بد من عشرة دراهم، وللشافعية في اعتبار ربع دينار، والله أعلم.

السابقالتالي
2 3 4 5