الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } * { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يقول تعالى من أجل قتل ابن آدم أخاه ظلماً وعدواناً { كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ } أي شرعنا لهم وأعلمناهم { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } أي من قتل نفساً بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعاً لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن أحياها، أي حرم قتلها، واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار، ولهذا قال { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } وقال الأعمش وغيره، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال دخلت على عثمان يوم الدار، فقلت جئت لأنصرك، وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين فقال يا أباهريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً، وإياي معهم؟ قلت لا، قال فإنك إن قتلت رجلاً واحداً، فكأنما قتلت الناس جميعاً، فانصرف مأذوناً لك، مأجوراً غير مأزور، قال فانصرفت، ولم أقاتل. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس هو كما قال الله تعالى { مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } وإحياؤها ألا يقتل نفساً حرمها الله، فذلك الذي أحيا الناس جميعاً، يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق، حيي الناس منه، وهكذا قال مجاهد ومن أحياها، أي كف عن قتلها. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } ، يقول من قتل نفساً واحدة حرمها الله، فهو مثل من قتل الناس جميعاً. وقال سعيد بن جبير من استحل دم مسلم، فكأنما استحل دماء الناس جميعاً، ومن حرم دم مسلم، فكأنما حرم دماء الناس جميعاً، هذا قول وهو الأظهر. وقال عكرمة والعوفي عن ابن عباس من قتل نبياً أو إمام عدل، فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن شدّ على عضد نبي أو إمام عدل، فكأنما أحيا الناس جميعاً، رواه بان جرير. وقال مجاهد في رواية أخرى عنه من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً، وذلك لأن من قتل النفس، فله النار، فهو كما لو قتل الناس كلهم. قال ابن جريج، عن الأعرج، عن مجاهد في قوله { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } من قتل النفس المؤمنة متعمداً، جعل الله جزاءه جهنم، وغضب عليه ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً، يقول لو قتل الناس جميعاً، لم يزد على مثل ذلك العذاب، قال ابن جريج قال مجاهد { وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } قال من لم يقتل أحداً، فقد حيي الناس منه. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من قتل نفساً، فكأنما قتل الناس، يعني فقد وجب عليه القصاص، فلا فرق بين الواحد والجماعة، ومن أحياها، أي عفا عن قاتل وليه، فكأنما أحيا الناس جميعاً، وحكى ذلك عن أبيه، رواه ابن جرير، وقال مجاهد في رواية ومن أحياها، أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد