الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }

يقول تعالى مبيناً وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر ابني آدم لصلبه في قول الجمهور، وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغياً عليه، وحسداً له فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل، ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة، وخاب القاتل، ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين، فقال تعالى { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءْادَمَ بِٱلْحَقِّ } ، أي اقصص على هؤلاء البغاة الحسدة إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم، وهما هابيل وقابيل، فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف. وقوله { بِٱلْحَقِّ } أي على الجلية والأمر الذي لا لبس فيه ولا كذب، ولا وهم ولا تبديل، ولا زيادة ولا نقصان، كقوله تعالىإِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } آل عمران 62. وقوله تعالىنَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِٱلْحَقِّ } الكهف 13 وقال { ذٰلِكَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ ٱلْحَقِّ } ، وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف، أن الله تعالى شرع لآدم عليه السلام، أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال، ولكن قالوا كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى، فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر، وكانت أخت هابيل دميمة، وأخت قابيل وضيئة، فأراد أن يستأثر بها على أخيه، فأبى آدم ذلك، إلا أن يقربا قرباناً، فمن تقبل منه، فهي له، فتقبّل من هابيل، ولم يتقبل من قابيل، فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه.ذكر أقوال المفسرين ههنا قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر، حتى ولد له ابنان يقال لهما هابيل وقابيل، وكان قابيل صاحب زرع، وكان هابيل صاحب ضرع، وكان قابيل أكبرهما، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل، وأن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل، فأبى عليه، وقال هي أختي، ولدت معي، وهي أحسن من أختك، وأنا أحق أن أتزوج بها، فأمره أبوه أن يزوجها هابيل، فأبى، وأنهما قربا قرباناً إلى الله عز وجل أيهما أحق بالجارية، وكان آدم عليه السلام قد غاب عنهما، أتى مكة ينظر إليها، قال الله عز وجل هل تعلم أن لي بيتاً في الأرض؟ قال اللهم لا. قال إن لي بيتاً في مكة، فأته، فقال آدم للسماء احفظي ولدي بالأمانة، فأبت، وقال للأرض، فأبت، وقال للجبال، فأبت، فقال لقابيل، فقال نعم، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك، فلما انطلق آدم، قربا قرباناً، وكان قابيل يفخر عليه، فقال أنا أحق بها منك، هي أختي، وأنا أكبر منك، وأنا وصي والدي، فلما قربا، قرب هابيل جذعة سمينة، وقرب قابيل حزمة سنبل، فوجد فيها سنبلة عظيمة، ففركها وأكلها، فنزلت النار، فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فغضب وقال لأقتلنك حتى لا تنكح أختي، فقال هابيل إنما يتقبل الله من المتقين، رواه ابن جرير.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10