الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }

يذكر تعالى ما امتنّ به على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام مما أجراه على يديه من المعجزات الباهرات وخوارق العادات، فقال { ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ } أي في خلقي إياك من أم بلا ذكر، وجعلي إياك آية ودلالة قاطعة على كمال قدرتي على الأشياء، { وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ } حيث جعلتك لها برهاناً على براءتها مما نسبه الظالمون والجاهلون إليها من الفاحشة، { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } وهو جبريل عليه السلام، وجعلتك نبياً داعياً إلى الله في صغرك وكبرك، فأنطقتك في المهد صغيراً، فشهدت ببراءة أمك من كل عيب، واعترفت لي بالعبودية، وأخبرت عن رسالتي إياك، ودعوت إلى عبادتي، ولهذا قال { تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً } أي تدعو إلى الله الناس في صغرك وكبرك، وضمّن تكلم تدعو لأن كلامه الناس في كهولته ليس بأمر عجيب. وقوله { وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } أي الخط والفهم { وَٱلتَّوْرَاةَ } وهي المنزلة على موسى بن عمران الكليم، وقد يرد لفظ التوراة في الحديث، ويراد به ما هو أعم من ذلك. وقوله { وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِى } أي تصوره وتشكله على هيئة الطائر بإذني لك في ذلك، فتكون طيراً بإذني، أي فتنفخ في تلك الصورة التي شكلتها بإذني لك في ذلك، فتكون طيراً ذا روح تطير بإذن الله وخلقه. وقوله تعالى { وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِى } قد تقدم الكلام عليه في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته. وقوله { وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِى } أي تدعوهم، فيقومون من قبورهم بإذن الله وقدرته وإرادته ومشيئته، وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا مالك بن إسماعيل، حدثنامحمد بن طلحة، يعني ابن مصرف، عن أبي بشر، عن أبي الهذيل، قال كان عيسى بن مريم عليه السلام إذا أراد أن يحيي الموتى، صلى ركعتين، يقرأ في الأولى { تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ } ، وفي الثانية { الۤـمۤ تَنزِيلُ } السجدة، فإذا فرغ منهما، مدح الله وأثنى عليه، ثم دعا بسبعة أسماء يا قديم، يا خفي، يا دائم، يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد، وكان إذا أصابته شديدة دعا بسبعة أخر يا حي، يا قيوم، يا ألله، يا رحمن، يا ذا الجلال والإكرام، يا نور السموات والأرض وما بينهما، ورب العرش العظيم، يا رب. وهذا أثر عجيب جداً. وقوله تعالى { وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي واذكر نعمتي عليك في كفي إياهم عنك حين جئتهم بالبراهين والحجج القاطعة على نبوتك ورسالتك من الله إليهم، فكذبوك، واتهموك بأنك ساحر، وسعوا في قتلك وصلبك، فنجيتك منهم، ورفعتك إلي، وطهرتك من دنسهم، وكفيتك شرهم، وهذا يدل على أن هذا الامتنان كان من الله إليه بعد رفعه إلى السماء الدنيا، أو يكون هذا الامتنان واقعاً يوم القيامة، وعبر عنه بصيغة الماضي دلالة على وقوعه لا محالة، وهذا من أسرار الغيوب التي أطلع الله عليها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2