الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

اشتملت هذه الآية الكريمة على حكم عزيز، قيل إنه منسوخ، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد ابن أبي سليمان، عن إبراهيم إنها منسوخة. وقال آخرون، وهم الأكثرون فيما قاله ابن جرير بل هو محكم، ومن ادعى نسخه، فعليه البيان، فقوله تعالى { يِـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ } هذا هو الخبر لقوله شهادة بينكم، فقيل تقديره شهادة اثنين، حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، وقيل دل الكلام على تقدير أن يشهد اثنان. وقوله تعالى { ذَوَا عَدْلٍ } وصف الاثنين بأن يكونا عدلين. وقوله { مِنكُمْ } أي من المسلمين. قاله الجمهور. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } قال من المسلمين، رواه ابن أبي حاتم، ثم قال وروي عن عبيدة وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر والسدي وقتادة ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، نحو ذلك. قال ابن جرير وقال آخرون عنى ذلك { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } أي من أهل الموصي، وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدة غيرهما. وقوله { أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا سعيد بن عون، حدثنا عبد الواحد ابن زياد، حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس في قوله { أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال من غير المسلمين، يعني أهل الكتاب، ثم قال وروي عن عبيدة وشريح وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ويحيى بن يعمر وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة وأبي مجلز والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، نحو ذلك. وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله منكم، أن المراد من قبيلة الموصي، يكون المراد ههنا { أَوْ ءَاخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } أي من غير قبيلة الموصي. وروى ابن أبي حاتم مثله عن الحسن البصري والزهري رحمهما الله. وقوله تعالى { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي سافرتم { فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ } وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر، وأن يكون في وصية كما صرح بذلك شريح القاضي. قال ابن جرير حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو معاوية ووكيع، قالا حدثنا الأعمش عن إبراهيم، عن شريح قال لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إلا في سفر، ولا تجوز في سفر إلا في الوصية، ثم رواه عن أبي كريب، عن أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السبيعي قال قال شريح، فذكر مثله. وقد روي نحوه عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وهذه المسألة من أفراده، وخالفه الثلاثة، فقالوا لا يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين، وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6