الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

يقول تعالى آمراً بالإصلاح بين الفئتين الباغيتين بعضهم على بعض { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } فسماهم مؤمنين مع الاقتتال، وبهذا استدل البخاري وغيره على أنه لا يخرج عن الإيمان بالمعصية وإن عظمت، لا كما يقوله الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة ونحوهم، وهكذا ثبت في صحيح البخاري من حديث الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوماً، ومعه على المنبر الحسن بن علي رضي الله عنهما، فجعل ينظر إليه مرة، وإلى الناس أخرى، ويقول " إن ابني هذا سيد، ولعل الله تعالى أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام وأهل العراق بعد الحروب الطويلة، والواقعات المهولة. وقوله تعالى { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي حتى ترجع إلى أمر الله ورسوله، وتسمع للحق وتطيعه، كما ثبت في الصحيح عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قلت يا رسول الله، هذا نصرته مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال صلى الله عليه وسلم " تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه " وقال الإمام أحمد حدثنا عارم، حدثنا معتمر فال سمعت أبي يحدث أن أنساً رضي الله عنه قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سبخة، فلما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم إليه، قال " إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك " فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك. قال فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل واحد منهما أصحابه، قال فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم { وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } ورواه البخاري في الصلح عن مسدد، ومسلم في المغازي عن محمد بن عبد الأعلى، كلاهما عن المعتمر بن سليمان عن أبيه به نحوه. وذكر سعيد بن جبير أن الأوس والخزرج كان بينهما قتال بالسعف والنعال، فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر بالصلح بينهما. وقال السدي كان رجل من الأنصار يقال له عمران، كانت له امرأة تدعى أم زيد، وإن المرأة أرادت أن تزور أهلها، فحبسها زوجها، وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها. وإن المرأة بعثت إلى أهلها، فجاء قومها وأنزلوها لينطلقوا بها، وإن الرجل كان قد خرج، فاستعان أهل الرجل، فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وبين أهلها، فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم الآية، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصلح بينهم، وفاؤوا إلى أمر الله تعالى.

السابقالتالي
2