الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }

يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } أي على الخلق، { وَمُبَشِّراً } أي للمؤمنين، { وَنَذِيرًا } أي للكافرين، وقد تقدم تفسيرها في سورة الأحزاب. { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ } قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد تعظموه { وَتُوَقِّرُوهُ } من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام { وَتُسَبِّحُوهُ } أي تسبحون الله { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي أول النهار وآخره. ثم قال عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم تشريفاً له وتعظيماً وتكريماً { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } كقوله جل وعلامَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } النساء 80 { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالىإِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } التوبة 111. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري، حدثنا علي بن بكار عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله " وحدثنا أبي، حدثنا يحيى بن المغيرة، أخبرنا جرير عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر " والله ليبعثنه الله عز وجل يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق فمن استلمه فقد بايع الله تعالى " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } ولهذا قال تعالى ههنا { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي إنما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غني عنه. { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي ثواباً جزيلاً. وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية، وكان الصحابة رضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قيل ألفاً وثلاثمائة، وقيل وأربعمائة، وقيل وخمسمائة، والأوسط أصح.ذكر الأحاديث الواردة في ذلك قال البخاري حدثنا قتيبة، حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر رضي الله عنه قال كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة. ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة به، وأخرجاه أيضاً من حديث الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن أبي جابر رضي الله عنه قال كنا يومئذ ألفاً وأربعمائة، ووضع يده في ذلك الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه حتى رووا كلهم، وهذا مختصر من سياق آخر حين ذكر قصة عطشهم يوم الحديبية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاهم سهماً من كنانته، فوضعوه في بئر الحديبية، فجاشت بالماء حتى كفتهم، فقيل لجابر رضي الله عنه كم كنتم يومئذ؟ قال كنا ألفاً وأربعمائة، ولو كنا مئة ألف لكفانا، وفي رواية في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أنهم كانوا خمس عشرة مائة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8