الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

يخبر تعالى عن محمد صلى الله عليه وسلم أنه رسوله حقاً بلا شك ولا ريب فقال { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } وهذا مبتدأ وخبر، وهو مشتمل على كل وصف جميل، ثم ثنى بالثناء على أصحابه رضي الله عنهم، فقال { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ } كما قال عز وجلفَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ } المائدة 54 وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار، رحيماً براً بالأخيار، غضوباً عبوساً في وجه الكافر، ضحوكاً بشوشاً في وجه أخيه المؤمن كما قال تعالىيَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً } التوبة 123 وقال النبي صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر " وقال صلى الله عليه وسلم " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً " وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه، كلا الحديثين في الصحيح. وقوله سبحانه وتعالى { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } وصفهم بكثرة العمل وكثرة الصلاة وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإخلاص فيها لله عز وجل والاحتساب عند الله تعالى جزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله عز وجل، وهو سعة الرزق عليهم ورضاه تعالى عنهم، وهو أكبر من الأول كما قال جل وعلا { وَرِضْوَٰنٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ }. وقوله جل جلاله { سِيمَـٰهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } قال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما سيماهم في وجوههم، يعني السمت الحسن. وقال مجاهد وغير واحد يعني الخشوع والتواضع. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا علي بن محمد الطنافسي، حدثنا حسين الجعفي عن زائدة عن منصور عن مجاهد { سِيمَـٰهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } قال الخشوع. قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر في الوجه، فقال ربما كان بين عيني من هو أقسى قلباً من فرعون. وقال السدي الصلاة تحسن وجوههم، وقال بعض السلف من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، وقد أسنده ابن ماجه في سننه عن إسماعيل بن محمد الطلحي عن ثابت بن موسى عن شريك، عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " والصحيح أنه موقوف. وقال بعضهم إن للحسنة نوراً في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس. وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ما أسرّ أحد سريرة، إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه.

السابقالتالي
2 3