الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى في المنام أنه دخل مكة وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية، لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح، ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفس بعض الصحابة رضي الله عنهم من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك، فقال له فيما قال أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت، ونطوف به؟ قال " بلى أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ " قال لا، قال النبي صلى الله عليه وسلم " فإنك آتيه ومطوف به " وبهذا أجاب الصديق رضي الله عنه أيضاً حذو القذة بالقذة، ولهذا قال تبارك وتعالى { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ } هذا لتحقيق الخبر وتوكيده، وليس هذا من الاستثناء في شيء. وقوله عز وجل { ءَامِنِينَ } أي في حال دخولكم. وقوله { مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ } حال مقدرة لأنهم في حال دخولهم لم يكونوا محلقين ومقصرين، وإنما كان هذا في ثاني الحال. كان منهم من حلق رأسه، ومنهم من قصره. وثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " رحم الله المحلقين " قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم " رحم الله المحلقين " قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم " رحم الله المحلقين " قالوا والمقصرين يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم " والمقصرين " في الثالثة أو الرابعة. وقوله سبحانه وتعالى { لاَ تَخَـٰفُونَ } حال مؤكدة في المعنى، فأثبت لهم الأمن حال الدخول، ونفى عنهم الخوف حال استقرارهم في البلد، لا يخافون من أحد، وهذا كان في عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الحديبية في ذي القعدة، رجع إلى المدينة، فأقام بها ذا الحجة والمحرم وخرج في صفر إلى خيبر، ففتحها الله عليه، بعضها عنوة، وبعضها صلحاً، وهي إقليم عظيم كثير النخل والزروع، فاستخدم من فيها من اليهود عليها على الشطر، وقسمها بين أهل الحديبية وحدهم، ولم يشهدها أحد غيرهم، إلا الذين قدموا من الحبشة جعفر ابن أبي طالب وأصحابه، وأبو موسى الأشعري وأصحابه رضي الله عنهم، ولم يغب منهم أحد، قال ابن زيد إلا أبا دجانة سماك بن خرشة كما هو مقرر في موضعه، ثم رجع إلى المدينة. فلما كان في ذي القعدة من سنة سبع، خرج صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمراً هو وأهل الحديبية، فأحرم من ذي الحليفة، وساق معه الهدي، قيل كان ستين بدنة، فلبى وسار أصحابه يلبون.

السابقالتالي
2 3 4 5