الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }

يقول تعالى مخبراً عن الكفار من مشركي العرب من قريش، ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي هم الكفار دون غيرهم { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي أنتم أحق به وأنتم أهله في نفس الأمر { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } أي وصدوا الهدي أن يصل إلى محله وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهدي سبعين بدنة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وقوله عز وجل { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ } أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سلطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل، ولهذا قال تعالى { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } أي إثم وغرامة { بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام، ثم قال تبارك وتعالى { لَوْ تَزَيَّلُواْ } أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أي لسلطناكم عليهم، فلقتلتموهم قتلاً ذريعاً. قال الحافظ أبو القاسم الطبراني حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، حدثنا عبد الرحمن بن أبي عباد المكي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد مولى بني هاشم، حدثنا حجر بن خلف قال سمعت عبد الله بن عوف يقول سمعت جنيد بن سبع يقول قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وفينا نزلت { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ } قال كنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين، ثم رواه من طريق أخرى عن محمد بن عباد المكي به، وقال فيه عن أبي جمعة جنيد بن سبع، فذكره، والصواب أبو جعفر حبيب بن سباع، ورواه ابن أبي حاتم من حديث حجر بن خلف به قال كنا ثلاثة رجال، وتسع نسوة، وفينا نزلت { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَـٰتٌ }. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة عن أبي حمزة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يقول لو تزيل الكفار من المؤمنين، لعذبهم الله عذاباً أليماً بقتلهم إياهم. وقوله عز وجل { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } وذلك حين أبوا أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم، وأبوا أن يكتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } وهي قول «لا إله إلا الله» كما قال ابن جرير وعبد الله بن الإمام أحمد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد