الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ }

يقول تعالى { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَـٰنَهُمْ } أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة، فبين فيها فضائحهم، وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة. والأضغان جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره. وقوله تعالى { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ } يقول عز وجل ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، ورداً للسرائر إلى عالمها { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أيّ الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه. وفي الحديث " ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى جلبابها، إن خيراً فخير وإن شراً فشر " وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل، وتكلمنا على نفاق العمل والاعتقاد في أول شرح البخاري بما أغنى عن إعادته ههنا، وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين. قال الإمام أحمد حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن سلمة عن عياض بن عياض عن أبيه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه ثم قال " إن منكم منافقين فمن سميت فليقم ــــ ثم قال ــــ قم يا فلان، قم يا فلان قم يا فلان " حتى سمى ستة وثلاثين رجلاً، ثم قال " إن فيكم أو منكم منافقين فاتقوا الله " قال فمر عمر رضي الله عنه برجل ممن سمى مقنع، قد كان يعرفه، فقال مالك؟ فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعداً لك سائر اليوم. وقوله عز وجل { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَـٰرَكُمْ } وليس في تقدم علم الله تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ولا ريب، فالمراد حتى نعلم وقوعه، ولهذا يقول ابن عباس رضي الله عنهما في مثل هذا إلا لنعلم أي لنرى.