الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

يقول عز وجل مخبراً عن المشركين في كفرهم وعنادهم أنهم إِذا تتلى عليهم آيات الله بينات، أي في حال بيانها ووضوحها وجلائها يقولون { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } أي سحر واضح، وقد كذبوا وافتروا، وضلوا وكفروا { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لو كذبت عليه وزعمت أنه أرسلني وليس كذلك، لعاقبني أشد العقوبة، ولم يقدر أحد من أهل الأرض، لا أنتم ولا غيركم، أن يجيرني منه، كقوله تبارك وتعالىقُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ } الجن 22 ــــ 23 وقال تعالىوَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ } الحاقة 44 ــــ 47 ولهذا قال سبحانه وتعالى هٰهنا { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } هذا تهديد ووعيد أكيد وترهيب شديد. وقوله جل وعلا { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } ترغيب لهم إِلى التوبة والإنابة، أي ومع هذا كله إِن رجعتم وتبتم تاب عليكم وعفا عنكم وغفر ورحم، وهذه الآية كقوله عز وجل في سورة الفرقانوَقَالُوۤاْ أَسَـٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } الفرقان 5 ــــ 6. وقوله تبارك وتعالى { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } أي لست بأول رسول طرق العالم، بل جاءت الرسل من قبلي، فما أنا بالأمر الذي لا نظير له حتى تستنكروني وتستبعدوا بعثتي إِليكم فإِنه قد أرسل الله جل وعلا قبلي جميع الأنبياء إِلى الأمم، قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وقتادة { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } ما أنا بأول رسول، ولم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم غير ذلك. وقوله تعالى { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية نزل بعدهالِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 وهكذا قال عكرمة والحسن وقتادة إِنها منسوخة بقوله تعالىلِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } الفتح 2 قالوا ولما نزلت هذه الآية، قال رجل من المسلمين هذا قد بين الله تعالى ماهو فاعل بك يا رسول الله، فما هو فاعل بنا؟ فأنزل الله تعالىلِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } الفتح 5 هكذا قال، والذي هو ثابت في الصحيح أن المؤمنين قالوا هنيئاً لك يارسول الله فما لنا؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية، وقال الضحاك { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } أي ما أدري بماذا أومر، وبماذا أنهى بعد هذا؟ وقال أبو بكر الهذلي عن الحسن البصري في قوله تعالى { وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } قال أما في الآخرة فمعاذ الله، وقد علم أنه في الجنة، ولكن قال لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من قبلي؟ أم أقتل كما قتلت الأنبياء من قبلي؟ ولا أدري أيخسف بكم أو ترمون بالحجارة؟ وهذا القول هو الذي عول عليه ابن جرير وأنه لا يجوز غيره، ولا شك أن هذا هو اللائق به صلى الله عليه وسلم، فإِنه بالنسبة إِلى الآخرة جازم أنه يصير إِلى الجنة هو ومن اتبعه، وأما في الدنيا فلم يدر ما كان يؤول إِليه أمره وأمر مشركي قريش إِلى ماذا، أيؤمنون أم يكفرون فيعذبون فيستأصلون بكفرهم.

السابقالتالي
2