الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

يقول تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } أي هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد { ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ } أي ولم يكرثه خلقهن، بل قال لها كوني، فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة، بل طائعة مجيبة خائفة وجلة، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ كما قال عز وجل في الآية الأخرىلَخَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } غافر 57 ولهذا قال تعالى { بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. ثم قال جل جلاله متهدداً ومتوعداً لمن كفر به { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } أي يقال لهم أما هذا حق؟ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟ { قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا } أي لا يسعهم إلا الاعتراف { قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } ثم قال تبارك وتعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } أي على تكذيب قومهم لهم. وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال وأشهرها أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل، فتكون { مِّنَ } في قوله من الرسل لبيان الجنس، والله أعلم. وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، حدثنا السري بن حيان، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال قالت لي عائشة رضي الله عنها ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً ثم طواه، ثم ظل صائماً ثم طواه، ثم ظل صائماً ثم قال " يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر عن محبوبها، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم، فقال { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي، ولا قوة إلا بالله " { وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ } أي لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تبارك وتعالىوَذَرْنِى وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِى ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } المزمل 11 وكقوله تعالىفَمَهِّلِ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } الطارق 17 { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ } كقوله جل وعلاكَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَـٰهَا } النازعات 46 وكقوله عز وجلوَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ } يونس 45 الآية. وقوله جل وعلا { بَلَـٰغٌ }. قال ابن جرير يحتمل معنيين أحدهما أن يكون تقديره وذلك لبثّ بلاغ، والآخر أن يكون تقديره هذا القرآن بلاغ. وقوله تعالى { فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ } أي لا يهلك على الله إلا هالك، وهذا من عدله عز وجل أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب، والله أعلم. آخر تفسير سورة الأحقاف، ولله الحمد والمنّة، وبه التوفيق والعصمة.