الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له، وإِخلاص العبادة والاستقامة إِليه، عطف بالوصية بالوالدين كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن كقوله عز وجلوَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } الإسراء 23 وقوله جل جلالهأَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } لقمان 14 إِلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وقال عز وجل ههنا { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰناً } أي أمرناه بالإحسان إِليهما والحنو عليهما. وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة، أخبرني سماك بن حرب قال سمعت مصعب بن سعد يحدث عن سعد رضي الله عنه قال قالت أم سعد لسعد أليس قد أمر الله بطاعة الوالدين؟ فلا آكل طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى تكفر بالله تعالى، فامتنعت من الطعام والشراب، حتى جعلوا يفتحون فاها بالعصا، ونزلت هذه الآية { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَـٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰناً } الآية. ورواه مسلم وأهل السنن إِلا ابن ماجه من حديث شعبة بإِسناده نحوه، وأطول منه { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً } أي قاست بسببه في حمله مشقة وتعباً من وحام وغثيان وثقل وكرب، إِلى غير ذلك مما تنال الحوامل من التعب والمشقة، { وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } أي بمشقة أيضاً من الطلق وشدته { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً }. وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الآية مع التي في لقمان { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } وقوله تبارك وتعالىوَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَـٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ } البقرة 233 على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي وصحيح، ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. قال محمد بن إِسحاق بن يسار عن يزيد بن عبدَالله بن قسيط عن بعجة بن عبد الله الجهني قال تزوج رجل منا امرأة من جهينة، فولدت له لتمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه، فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما قامت لتلبس ثيابها بكت أختها، فقالت وما يبكيك؟ فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط، فيقضي الله سبحانه وتعالى في ما شاء، فلما أتى بها عثمان رضي الله عنه، أمر برجمها، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه، فأتاه فقال له ما تصنع؟ قال ولدت تماماً لستة أشهر، وهل يكون ذلك؟ فقال له علي رضي الله عنه أما تقرأ القرآن؟ قال بلى. قال أما سمعت الله عز وجل يقول { وَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } وقالحَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } البقرة 233 فلم نجده بقي إلا ستة أشهر، قال فقال عثمان رضي الله عنه والله ما فطنت بهذا، عليَّ بالمرأة، فوجدوها قد فرغ منها، قال فقال بعجة فوالله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة، بأشبه منه بأبيه، فلما رآه أبوه قال ابني والله لا أشك فيه.

السابقالتالي
2 3