الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة فقال تعالى { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } أي آمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة، وهي الخالصة الموافقة للشرع { فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ } وهي الجنة كما ثبت في الصحيح أن الله تعالى قال للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } أي البين الواضح. ثم قال تعالى { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ } أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً أما قرئت عليكم آيات الله تعالى، فاستكبرتم عن اتباعها، وأعرضتم عن سماعها، وكنتم قوماً مجرمين في أفعالكم، مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب؟ { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا } أي إِذا قال لكم المؤمنون ذلك، { قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا ٱلسَّاعَةُ } أي لا نعرفها { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } أي إِن نتوهم وقوعها إِلا توهماً، أي مرجوحاً، ولهذا قال { وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } أي بمتحققين. قال الله تعالى { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَـٰتُ مَا عَمِلُواْ } أي وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة، { وَحَاقَ بِهِم } أي أحاط بهم { مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } أي من العذاب والنكال { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ } أي نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم { كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } أي فلم تعملوا له لأنكم لم تصدقوا به، { وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّـٰصِرِينَ }. وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة " ألم أزوجك؟ ألم أكرمك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول بلى يارب فيقول أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول لا، فيقول الله تعالى فاليوم أنساك كما نسيتني " قال الله تعالى { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً } أي إِنما جازيناكم هذا الجزاء لأنكم اتخذتم حجج الله عليكم سخرياً، تسخرون وتستهزئون بها، { وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا } أي خدعتكم، فاطمأننتم إِليها، فأصبحتم من الخاسرين، ولهذا قال عز وجل { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا } أي من النار، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا يطلب منهم العتبى، بل يعذبون بغير حساب ولا عتاب، كما تدخل طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ولا حساب. ثم لما ذكر تعالى حكمه في المؤمنين والكافرين، قال { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ } أي المالك لهما وما فيهما، ولهذا قال { رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ثم قال جل وعلا { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال مجاهد يعني السلطان، أي هو العظيم الممجد، الذي كل شيء خاضع لديه، فقير إِليه. وقد ورد في الحديث الصحيح " يقول الله تعالى العظمة إِزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما، أسكنته ناري " ورواه مسلم من حديث الأعمش عن أبي إِسحاق عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه. وقوله تعالى { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي الذي لا يغالب ولا يمانع { ٱلْحَكِيمُ } في أقواله وأفعاله، وشرعه وقدره، تعالى وتقدس، لا إِله إِلا هو. آخر تفسير سورة الجاثية، ولله الحمد والمنَّة، وبه التوفيق والعصمة.