الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ لَيَقُولُونَ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } * { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ }

يقول تعالى منكراً على المشركين في إنكارهم البعث والمعاد وأنه ما ثم إلا هذه الحياة الدنيا، ولا حياة بعد الممات، ولا بعث ولا نشور، ويحتجون بآبائهم الماضين الذين ذهبوا فلم يرجعوا، فإن كان البعث حقاً { فَأْتُواْ بِـآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } وهذه حجة باطلة وشبه فاسدة، فإن المعاد إنما هو يوم القيامة، لا في الدار الدنيا، بل بعد انقضائها وذهابها وفراغها، يعيد الله العالمين خلقاً جديداً، ويجعل الظالمين لنار جهنم وقوداً، يوم تكونون شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً، ثم قال تعالى متهدداً لهم، ومتوعداً ومنذراً لهم بأسه الذي لا يرد كما حل بأشباههم ونظرائهم من المشركين المنكرين للبعث كقوم تبع، وهم سبأ، حيث أهلكهم الله عز وجل، وخرب بلادهم، وشردهم في البلاد وفرقهم شذر مذر، كما تقدم ذلك في سورة سبأ، وهي مصدرة بإنكار المشركين للمعاد، وكذلك ههنا، شبههم بأولئك، وقد كانوا عرباً من قحطان، كما أن هؤلاء عرب من عدنان، وقد كانت حمير وهم سبأ كلما ملك فيهم رجل، سموه تبعاً، كما يقال كسرى، لمن ملك الفرس، وقيصر لمن ملك الروم، وفرعون لمن ملك مصر كافراً، والنجاشي لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس. ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن، وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند، واشتد ملكه وعظم سلطانه وجيشه، واتسعت مملكته وبلاده، وكثرت رعاياه، وهو الذي مصر الحيرة، فاتفق أنه مر بالمدينة النبوية، وذلك في أيام الجاهلية، فأراد قتال أهلها، فمانعوه وقاتلوه بالنهار، وجعلوا يقرونه بالليل، فاستحيا منهم وكف عنهم، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة، فإنها مهاجر نبي يكون في آخر الزمان، فرجع عنها، وأخذهما معه إلى بلاد اليمن، فلما اجتاز بمكة، أراد هدم الكعبة، فنهياه عن ذلك أيضاً، وأخبراه بعظمة هذا البيت، وأنه من بناء إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان، فعظمها وطاف بها، وكساها الملاء والوصائل والحبر، ثم كر راجعاً إلى اليمن، ودعا أهلها إلى التهود معه، وكان إذ ذاك دين موسى عليه الصلاة والسلام فيه من يكون من الهداية قبل بعثة المسيح عليه الصلاة والسلام، فتهود معه عامة أهل اليمن، وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة، وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا ومما لم نذكر. وذكر أنه ملك دمشق، وأنه كان إذا استعرض الخيل، صفت له من دمشق إلى اليمن. ثم ساق من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2 3