يقول تعالى مخبراً عن القرآن العظيم أنه أنزله في ليلة مباركة، وهي ليلة القدر كما قال عز وجل{ إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } القدر 1 وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تبارك وتعالى{ شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } البقرة 185 وقد ذكرنا الأحاديث الواردة في ذلك في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة، فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان، والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان، حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى " فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص. وقوله عز وجل { إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } أي معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعاً لتقوم حجة الله على عباده. وقوله { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } أي في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف. وقوله جل وعلا { حَكِيمٍ } أي محكم، لا يبدل ولا يغير، ولهذا قال جل جلاله { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ } أي جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه، فبأمره وإذنه وعلمه { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } أي إلى الناس رسولاً يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه، ولهذا قال تعالى { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ رَبِّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } أي الذي أنزل القرآن هو رب السموات والأرض، وخالقهما ومالكهما وما فيهما { إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } أي إن كنتم متحققين. ثم قال تعالى { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } وهذه الآية كقوله تعالى{ قُلْ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ٱلَّذِى لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ } الأعراف 158 الآية.