الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } * { سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

يقول تعالى { قُلْ } يا محمد { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي لو فرض هذا، لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده، مطيع لجميع ما يأمرني به، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته، فلو فرض هذا، لكان هذا، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى، والشرط لا يلزم منه الوقوع، ولا الجواز أيضاً كما قال عز وجللَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَـٰنَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّارُ } الزمر 4 وقال بعض المفسرين في قوله تعالى { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي الآنفين، ومنهم سفيان الثوري والبخاري، حكاه فقال ويقال أول العابدين الجاحدين من عَبِد يعْبَد، وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب، حدثني ابن أبي ذئب عن أبي قسيط عن بعجة بن زيد الجهني أن امرأة منهم دخلت على زوجها، وهو رجل منهم أيضاً، فولدت له في ستة أشهر، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان رضي الله عنه، فأمر بها أن ترجم، فدخل عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال إن الله تعالى يقول في كتابهوَحَمْلُهُ وَفِصَـٰلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } الأحقاف 15 وقال عز وجلوَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ } لقمان 14 قال فو الله ما عبد عثمان رضي الله عنه أن بعث إليها ترد، قال يونس قال ابن وهب عبد استنكف. وقال الشاعر
متى ما يَشَأْ ذو الودِّ يَصْرِمْ خليلَهُ ويَعْبَدْ عليهِ لا محالةَ ظالِما   
وهذا القول فيه نظر لأنه كيف يلتئم مع الشرط، فيكون تقديره إن كان هذا، فأنا ممتنع منه؟ هذا فيه نظر، فليتأمل، اللهم إلا أن يقال إنّ إنْ ليست شرطاً، وإنما هي نافية، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } يقول لم يكن للرحمن ولد، فأنا أول الشاهدين. وقال قتادة هي كلمة من كلام العرب { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي إن ذلك لم يكن فلا ينبغي، وقال أبو صخر { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي فأنا أول من عبده بأن لا ولد له، وأول من وحّده، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وقال مجاهد { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } أي أول من عبده ووحده وكذبكم، وقال البخاري { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } الآنفين، وهما لغتان رجل عابد وعبد، والأول أقرب على أنه شرط وجزاء، ولكن هو ممتنع، وقال السدي { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ } يقول لو كان له ولد، كنت أول من عبده بأن له ولداً، ولكن لا ولد له، وهو اختيار ابن جرير، ورد قول من زعم أن إنْ نافية.

السابقالتالي
2 3