الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

يقول تعالى مخبراً عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده أنه جمع قومه، فنادى فيهم متبجحاً مفتخراً بملك مصر، وتصرفه فيها { أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِىۤ } قال قتادة قد كانت لهم جنات وأنهار ماء، { أَفلاَ تُبْصِرُونَ }؟ أي أفلا ترون ما أنا فيه من العظمة والملك؟ يعني موسى وأتباعه فقراء ضعفاء، وهذا كقوله تعالىفَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلأَخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } النازعات 23 ــــ 25. وقوله { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } قال السدي يقول بل أنا خير من هذا الذي هو مهين، وهكذا قال بعض نحاة البصرة إن أم ههنا بمعنى بل، ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها أما أنا خير من هذا الذي هو مهين قال ابن جرير ولو صحت هذه القراءة، لكان معناها صحيحاً واضحاً، ولكنها خلاف قراءة الأمصار فإنهم قرؤوا { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ } على الاستفهام قلت وعلى كل تقدير، فإنما يعني فرعون لعنه الله بذلك أنه خير من موسى عليه الصلاة والسلام، وقد كذب في قوله هذا كذباً بيناً واضحاً، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة. ويعني بقوله مهين، كما قال سفيان حقير، وقال قتادة والسدي يعني ضعيف. وقال ابن جرير يعني لا ملك له، ولا سلطان ولا مال، { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } يعني لا يكاد يفصح عن كلامه، فهو عيي حصر. قال السدي { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } أي لا يكاد يُفْهم. وقال قتادة والسدي وابن جرير يعني عيي اللسان، وقال سفيان يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فمه وهو صغير، وهذا الذي قاله فرعون، لعنه الله، كذب واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد، وهو ينظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام بعين كافرة شقية، وقد كان موسى عليه السلام من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي الألباب. وقوله { مَهِينٌ } كذب. بل هو المهين الحقير خلقة وخلقاً وديناً، وموسى هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد. وقوله { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } افتراء أيضاً فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة، فقد سأل الله عز وجل أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وقد استجاب الله تبارك وتعالى له ذلك في قولهقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } طه 36 وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته كما قاله الحسن البصري، وإنما سأل زوال ما لا يحصل معه الإبلاغ والإفهام، فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها، ولا يذم عليها، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل، فهو يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ } وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي.

السابقالتالي
2