الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

يقول تعالى { وَمَن يَعْشُ } أي يتعامى ويتغافل ويعرض { عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } والعشا في العين ضعف بصرها، والمراد ههنا عشا البصيرة { نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } كقوله تعالىوَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ } النساء 115 الآية، وكقولهفَلَمَّا زَاغُوۤاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ } الصف 5 وكقوله جل جلالهوَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } فصلت 45 الآية، ولهذا قال تبارك وتعالى ههنا { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } أي هذا الذي تغافل عن الهدى، نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم. فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة، يتبرم بالشيطان الذي وكل به { قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } أي فبئس القرين كنت لي في الدنيا وقرأ بعضهم حتى إذا جاءانا يعني القرين والمقارن. قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة، سفع بيده شيطان، فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تبارك وتعالى إلى النار، فذلك حين يقول { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } والمراد بالمشرقين هاهنا هو ما بين المشرق والمغرب، وإنما استعمل هاهنا تغليباً كما يقال القمران والعمران والأبوان، والعسران، قاله ابن جرير وغيره. ولما كان الاشتراك في المصيبة في الدنيا يحصل به تسلية لمن شاركه في مصيبته كما قالت الخنساء تبكي أخاها
ولولا كثرة الباكين حولي على قتلاهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أُسلي النفسي عنه بالتأسي   
قطع الله بذلك بين أهل النار، فلا يحصل لهم بذلك تأسي وتسلية ولا تخفيف. ثم قال تعالى { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِى ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } أي لا يغني عنكم اجتماعكم في النار، واشتراككم في العذاب الأليم. وقوله جلت عظمته { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِى ٱلْعُمْىَ وَمَن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ }؟ أي ليس ذلك إليك، إنما عليك البلاغ، وليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وهو الحكم العدل في ذلك، ثم قال تعالى { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } أي لا بد أن ننتقم منهم، ونعاقبهم، ولو ذهبت أنت { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِى وَعَدْنَـٰهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } أي نحن قادرون على هذا، وعلى هذا ولم يقبض الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم حتى أقر عينه من أعدائه، وحكمه في نواصيهم، وملكه ما تضمنته صياصيهم. هذا معنى قول السدي، واختاره ابن جرير. وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن ثور عن معمر قال تلا قتادة { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } فقال ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة، ولن يري الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئاً يكرهه حتى مضى، ولم يكن نبي قط إلا وقد رأى العقوبة في أمته، إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم قال وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري ما يصيب أمته من بعده، فما رئي ضاحكاً منبسطاً حتى قبضه الله عز وجل، وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة نحوه، ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضاً، وفي الحديث

السابقالتالي
2