الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } * { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء، ووالد من بعث بعده من الأنبياء، الذي تنتسب إليه قريش في نسبها ومذهبها أنه تبرأ من أبيه وقومه في عبادتهم الأوثان، فقال { إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱلَّذِى فَطَرَنِى فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ } أي هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي لا إله إلا الله، أي جعلها دائمة في ذريته، يقتدي به فيها من هداه الله تعالى من ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي إليها. قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم في قوله عز وجل { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَـٰقِيَةً فِى عَقِبِهِ } يعني لا إله إلا الله، لا يزال في ذريته من يقولها، وروي نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال ابن زيد كلمة الإسلام، وهو يرجع إلى ما قاله الجماعة، ثم قال جل وعلا { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ } يعني المشركين، { وَءَابَآءَهُمْ } أي فتطاول عليهم العمر في ضلالهم { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } أي بين الرسالة والنذارة، { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَـٰفِرُونَ } أي كابروه وعاندوه، ودفعوا بالصدور والراح كفراً وحسداً وبغياً { وَقَالُواْ } أي كالمعترضين على الذي أنزله تعالى وتقدس { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } أي هلاّ كان إنزال هذا القرآن على رجل عظيم كبير في أعينهم من القريتين؟ يعنون مكة والطائف، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعكرمة ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وابن زيد، وقد ذكر غير واحد منهم أنهم أرادوا بذلك الوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي. وقال مالك عن زيد بن أسلم والضحاك والسدي يعنون الوليد بن المغيرة ومسعود بن عمرو الثقفي. وعن مجاهد يعنون عمير بن عمرو بن مسعود الثقفي. وعنه أيضاً أنهم يعنون عتبة بن ربيعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما جباراً من جبابرة قريش، وعنه رضي الله عنهما أنهم يعنون الوليد بن المغيرة، وحبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، وعن مجاهد يعنون عتبة بن ربيعة بمكة، وابن عبد ياليل بالطائف. وقال السدي عنوا بذلك الوليد بن المغيرة، وكنانة بن عمرو بن عمير الثقفي، والظاهر أن مرادهم رجل كبير من أي البلدتين كان. قال الله تبارك وتعالى راداً عليهم في هذا الاعتراض { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } أي ليس الأمر مردوداً إليهم، بل إلى الله عز وجل، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلباً ونفساً، وأشرفهم بيتاً، وأطهرهم أصلاً. ثم قال عز وجل مبيناً أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة، فقال { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } الآية.

السابقالتالي
2 3