الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } * { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم، وبعضها لله تعالى كما ذكر الله عز وجل عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالىوَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } الأنعام 136 وكذلك جعلوا له في قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما، وهو البنات كما قال تعالىأَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنثَىٰ تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } النجم 21-22 وقال جل وعلا ههنا { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَـٰنَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } ثم قال جل وعلا { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَـٰكُم بِٱلْبَنِينَ } وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار، فقال جلت عظمته { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات، يأنف من ذلك غاية الأنفة، وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به، ويتوارى من القوم من خجله من ذلك، يقول تبارك وتعالى فكيف تأنفون من ذلك، وتنسبونه إلى الله عز وجل؟ ثم قال سبحانه وتعالى { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِى ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِى ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } أي المرأة ناقصة، يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة، وإذا خاصمت، فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عيية. أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم؟ فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي، وما في معناه، ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب
وما الحَلْيُ إلا زينةٌ من نَقيصةٍ يُتَمِّمُ من حُسْن إذا الحُسْنَ قَصَّرا وأَمَّا إذا كانَ الجَمالُ مُوَفَّراً كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إلى أن يُزَوَّرا   
وأما نقص معناها، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب، وقد بشر ببنت ما هي بنعم الولد، نصرها بكاء، وبرها سرقة. وقوله تبارك وتعالى { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } أي اعتقدوا فيهم ذلك، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك، فقال { أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ }؟ أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثاً؟ { سَتُكْتَبُ شَهَـٰدَتُهُمْ } أي بذلك { وَيُسْـئَلُونَ } عن ذلك يوم القيامة، وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ } أي لو أراد الله، لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك، وهو يقرنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ أحدها جعلهم لله تعالى ولداً، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً. الثاني دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين، فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.

السابقالتالي
2