الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } * { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } * { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ }

يقول تعالى ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله، العابدين معه غيره { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له، وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد، ثم قال تعالى { ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } أي فراشاً قراراً ثابتة، تسيرون عليها، وتقومون وتنامون وتتصرفون، مع أنها مخلوقة على تيار الماء، لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا، { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } أي طرقاً بين الجبال والأودية، أي في سيركم من بلد إلى بلد، وقطر إلى قطر، { وَٱلَّذِى نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ } أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم، وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم. وقوله تبارك وتعالى { فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً } أي أرضاً ميتة، فلما جاءها الماء، اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها، فقال { كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ } ثم قال عز وجل { وَٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَزْوَٰجَ كُلَّهَا } أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك. ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ } أي السفن { وَٱلأَنْعَـٰمِ مَا تَرْكَبُونَ } أي ذللها لكم، وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها، وشربكم ألبانها، وركوبكم ظهورها، ولهذا قال جل وعلا { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } أي لتستووا متمكنين مرتفقين { عَلَىٰ ظُهُورِهِ } أي على ظهور هذا الجنس، { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ } أي فيما سخر لكم { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي مقاومين، ولولا تسخير الله لنا هذا، ما قدرنا عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والسدي وابن زيد مقرنين، أي مطيقين، { وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } أي لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر، وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالىوَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ } البقرة 197 وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالىوَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ } الأعراف 26.ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. قال الإمام حدثنا يزيد، حدثنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق، عن علي بن ربيعة قال رأيت علياً رضي الله عنه أتي بدابة، فلما وضع رجله في الركاب قال باسم الله، فلما استوى عليها قال الحمد لله { سُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } ثم حمد الله تعالى ثلاثاً، وكبر ثلاثاً، ثم قال سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسي، فاغفر لي، ثم ضحك، فقلت له مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ فقال رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثلما فعلت، ثم ضحك، فقلت مم ضحكت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3