لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة، حذر منه، وأمر بالاستعداد له، فقال { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أي إذا أمر بكونه، فإنه كلمح البصر يكون، وليس له دافع ولا مانع. وقوله عز وجل { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه، فتغيبون عن بصره تبارك وتعالى، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليه{ يَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ كَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } القيامة10-12 وقوله تعالى { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } يعني المشركين { فَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي لست عليهم بمسيطر، وقال عز وجل{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } البقرة 272 وقال تعالى{ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } آل عمران 20 وقال جل وعلا ههنا { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } أي إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم. ثم قال تبارك وتعالى { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } أي إذا أصابه رخاء ونعمة، فرح بذلك، { وَإِن تُصِبْهُمْ } يعني الناس { سَيِّئَةٌ } أي جدب ونقمة وبلاء وشدة، { فَإِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ كَفُورٌ } أي يجحد ما تقدم من النعم، ولا يعرف إلا الساعة الراهنة، فإن أصابته نعمة، أشر وبطر، وإن أصابته محنة، يئس وقنط كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء " يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة ولم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم تركت يوماً، قالت ما رأيت منك خيراً قط " وهذا حال أكثر النساء، إلا من هداه الله تعالى وألهمه رشده، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالمؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم " إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ".