الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } * { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ }

لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة، حذر منه، وأمر بالاستعداد له، فقال { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ } أي إذا أمر بكونه، فإنه كلمح البصر يكون، وليس له دافع ولا مانع. وقوله عز وجل { مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه، ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه، فتغيبون عن بصره تبارك وتعالى، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته، فلا ملجأ منه إلا إليهيَقُولُ ٱلإِنسَـٰنُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ كَلاَّ لاَ وَزَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } القيامة10-12 وقوله تعالى { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } يعني المشركين { فَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } أي لست عليهم بمسيطر، وقال عز وجللَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ } البقرة 272 وقال تعالىفَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلَـٰغُ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ } آل عمران 20 وقال جل وعلا ههنا { إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } أي إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم. ثم قال تبارك وتعالى { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } أي إذا أصابه رخاء ونعمة، فرح بذلك، { وَإِن تُصِبْهُمْ } يعني الناس { سَيِّئَةٌ } أي جدب ونقمة وبلاء وشدة، { فَإِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ كَفُورٌ } أي يجحد ما تقدم من النعم، ولا يعرف إلا الساعة الراهنة، فإن أصابته نعمة، أشر وبطر، وإن أصابته محنة، يئس وقنط كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء " يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة ولم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم " لأنكن تكثرن الشكاية، وتكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم تركت يوماً، قالت ما رأيت منك خيراً قط " وهذا حال أكثر النساء، إلا من هداه الله تعالى وألهمه رشده، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فالمؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم " إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ".